الزيّ الشعبي.. حكايات الهوية والأصالة
خيوطه المطرزة تذهّب القماش على اختلافه، فهي تقول الكثير عن الزمان والمكان، تحكي حكايات الفلكلور الشعبي وحياكة الجدات.
الزي الشعبي مهما اختلف في أشكاله وألوانه، فإنه يعبر بذلك عـن مراحل تاريخية مختلفة مرت بهـا الأمـة؛ فالشعوب تسجل أفراحهـا وعاداتهـا وأساليب حياتهـا المختلفـة على القماش؛ ما يجعل منها هوية ثقافية وتاريخية وتعبيرًا اجتماعيًا يرصد ارتباط الإنسان بأرضه.
الخصوصية الفلسطينية..
وللزي الشعبي في فلسطين خصوصتيه، فهو يحمل الهوية الثقافية الفلسطينية، شاهدًا على أحقية الفلسطيني بأرضه، فمثلًا ، تعتبر الكوفية البيضاء المقلمة بالأسود اليوم، رمزًا وطنيًا يعبر عن نضالات الشعب الفلسطيني؛ ولذلك أصبح لهذا الزي دور كبير في التعبير عن موقف مرتديه.
ويمتاز التراث الفلسطيني بتنوعه إلى حدود لا توصف من الشغف والخيال، فكل ثوب في الأزياء النسائية -خاصةً- يمثل منطقة جغرافية يختلف في طريقة خياطته وتطريزه وقماشه عما هو موجود في منطقة جغرافية مجاورة لها.
الثوب الشعبي عالميًا..
وتحظى الأثواب الفلسطينية، باهتمام عالمي، إذ تنشط مؤسسات فلسطينية، ونساء فلسطينيات، وأجنبيات، وهنّ بذلك يروجن الأثواب على مستوى عالمي، حيث يزداد الطلب على المطرزات التي تعود إلى زمن الكنعانيين، أوائل من سكن فلسطين.
ويعرف الثوب الفلسطيني باللونين الأسود والأبيض، لما له من معانٍ كثيرة، وعادة ما يستخدم الثوب الأسود للعمل اليومي وتكون التطريزات عليه بسيطة وخفيفة غير متكلّفة، وهذا بعكس ثوب الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية الأبيض، الذي يشتهر بغزارة الرسومات والنقوش.
يعود إلى الكنعانيين
ويمكن ملاحظة تأثير الحضارة الكنعانية على الزي من خلال رسومات الثعابين والشجر التي كانت جزءًا منها، كما غلب على الثوب اللون الأحمر فكنعان يعني أرجوان، وتختلف درجاته من مكان لآخر، فثوب غزة يميل إلى البنفسجي، أما الخليل فإلى البني، وبيت لحم ورام الله ويافا يميل إلى اللون الأحمر القاني أو الخمري وبئر السبع الأحمر المائل إلى البرتقالي.
أما ثوب نابلس، فيشبه هذا الزي بالملابس التي كانت منتشرة في دمشق، ويعود ذلك بسبب الطبيعة المدنية والتجارية لنابلس التي ربطتها بدمشق وحلب، بينما يكمن الاختلاف بالألوان والتطريز وخطوطه الحمراء والخضراء والربطة والشال الذي يميز هذه المنطقة عن غيرها وعادة ما يصنع من خيوط الكتان والحرير.
ومع دخول الحضارة الإسلامية أضيف البرقع (غطاء الوجه) وغطاء الرأس للباس الفلسطيني, وللحفاظ على أصالة الثوب، باتت المرأة الفلسطينية تنقل رسوماتها وتشارك رموز مدينتها الخاصة من منطقة لأخرى.
الدلالة الرمزية للثوب
واعتادت النساء الفلسطينيات تعليق النقود المعدنية الذهبية والفضية على طاقيتها المطرزة، وتسمى بـ”الشطوة” أو”الصّفّة”، وهي دليل استلام المرأة لمهرها في ليلة زواجها.
وهناك أشكال أخرى على هيئة أشجار الزيتون وطائر العنقاء الذي ينبعث من تحت الرماد ويمثل الكبرياء، كما تختلف بعض التفاصيل البسيطة في الملابس، وذلك بحسب المواسم والفئة العمرية والحالة الاجتماعية للفتاة سواء كانت متزوجة أو عزباء أو أرملة، فمثلًا ترتدي المطلقة اللون الأزرق تعبيرًا عن الحزن وفراق الزوج، بينما ترتديه المرأة العزباء تعبيرًا عن انتظارها لزواج، لكنه يكون فاتحًا وكثير الزخارف.
محاولات سرقة الثقافة
ويسعى الاحتلال الإسرائيلي لسرقة الثوب الفلسطيني وزخارفه لتوهم العالم بأن هذا الزي هو تراكم وحصيلة تاريخها وماضيها ،الذي يربط بينها وبين الأرض، إذ عمدت إلى تسجيل الثوب الفلسطيني باسمها في المجلد الرابع من الموسوعة العالمية عام 1993، كما تتعمد الشخصيات “الإسرائيلية” البارزة الظهور باللباس الفلسطيني في المحافل الدولية ليمنحوا صورتهم العامة عمقًا تاريخيًا وطابعًا وطنيًا، كما فعلت وزيرة الثقافة “الإسرائيلية” ميري ريغيف في مهرجان كان السينمائي، ومن قبلها زوجة وزير الحرب الأسبق موشيه دايان التي كانت تزور دول العالم وهي مرتدية الزي الفلسطيني.
يذكر أن الفلسطينيين يحيون في الخامس والعشرين من تموز من كل عام يوم الزي الفلسطيني، عبر ارتداءه وإقامة الحفلات لاستشعار جماليته وأصالته.
كتبت:سمية النجار