“المطوقة”.. ما لا تعرفه عن فدوى طوقان
86 عامًا قضتهن فدوى طوقان في مقاومة مستمرة.. هكذا شاءت لها الحياة مذ كانت مضغة في رحم والدتها التي حاولت التخلص منها في الأشهر الأولى من حملها بها، وفشلت في ذلك مرارًا وتكرارًا، ليكتب الله الروح للرقم السابع الذي ظلّ متشبثًا في الحياة حتى خرج إليها، وأثبت في وجوده أعمق معاني الإصرار.
وأبصرت روح فدوى عبد الفتاح آغا طوقان النور في الأول من مارس عام 1917 في مدينة نابلس، لأسرة غنية وذات نفوذ، وتلقت تعليمها الابتدائي في مدرسة الفاطمية أوّلا، ثم العائشية من بعد، ولم تتجاوز مدة دراستها خمس سنوات، إذ حرمها بعض أهلها من مواصلة تعليمها، وفرضت عليها الإقامة الجبرية في المنزل.
كيف بدأت حكايتها؟
حدث ذلك بعد أن عرفت فدوى الحب في طريقها إلى المدرسة، ما حمل ذويها إلى تحديد خروجها من المنزل، لتظل حبيسة الجدران غارقة في الاكتئاب، حتى عاد أخوها الشاعر الكبير إبراهيم طوقان من الجامعة الأميركية في بيروت، فرق قلبه لها، وعلمها قواعد الشعر والنحو والبلاغة، وشجعها على كتابة الشعر لما رأى فيها من مقدرة وحس مرهف، وكان نجاحها مبهرًا لشقيقها المعلم ولعدد من شعراء عهدها.
وكانت حياة فدوى محفوفة بالأحداث الأليمة المتتالية، حيث توفي والدها ثم أخوها ومعلمها إبراهيم، وأعقب ذلك احتلال فلسطين إبان نكبة 1948.
وتركت تلك المآسي المتلاحقة أثرًا واضحًا في نفسية فدوى، كما يظهر من شعرها في ديوانها الأول وحدي مع الأيام، الذي تميز الشعر فيه بالمتانة اللغوية مع الميل للسردية والمباشرة، واختلطت فيه الشكوى بالمرارة والتفجع وغياب الآخرين.
ورغمًا عن الظروف الصعبة، أثبتت فدوى نفسها سياسيًا واجتماعيًا في مدينتها نابلس، إيمانًا منها بدورها الفاعل بشأن القضية الفلسطينية.
وعرفت فدوى بتميزها وفرادتها بين شعراء ذلك الزمن، فتمردت على القصيد وتحررت من الشعر وقوالبه، ما منحها فرصة حرة في التعبير عن مكنونات نفسها بصدق وتجرّد.
لماذا “المطوقة”؟
واكتسبت فدوى اسماءً مستعارة، كان أحبها إلى قلبها “المطوّقة”، لأنه يتضمن تورية فصيحة إلى حال الشاعرة بالتحديد. فالمطوقة تعني انتسابها إلى عائلة طوقان المعروفة، وترمز في الوقت نفسه، إلى أحوالها في مجتمع تقليدي غير رحيم.
وضربت فدوى ذكورية المجتمع بعرض الحائط، واقتحمت حقلًا ملغمًا حين أفصحت عن سيرتها الذاتية “رحلة جبلية رحلة صعبة”، ولعلَّ جرأتها تكمن هنا بالتحديد، أي في مصادمتها ذكورية المجتمع النابلسي من خلال اعترافاتها التي كشفت فيها حياتها الغرامية.
وعلى الرغم من انها أخفت الكثير من الجوانب المهمة والحيوية في رحلتها الصعبة، فقد وثق الناقد المصري رجاء النقاش في كتاب ظهر في أواسط السبعينات قصة حب قال أنها جمعت بين فدوى طوقان والناقد المصري أنور المعداوي ولكن عن طريق الرسائل فقط، ما يعيد إلى الذاكرة قصة مي زيادة وحبها لجبران خليل جبران.
عندما غادرت فدوى
وخلال حياتها، أثبتت فدوى نفسها كواحدة من أبرز شاعرات فلسطين، إلى جانب كل من للي كرنيك وسميرة الخطيب وليلى علوش.
وفي مساء السبت الثاني عشر من شهر ديسمبر عام 2003 ودعت فدوى الدنيا عن عمر يناهز السادسة والثمانين عامًا قضتها مناضلة بكلماتها وأشعارها في سبيل حرية فلسطين، وكُتب على قبرها قصيدتها المشهورة:
“كفاني أموت عليها وأدفن فيها
وتحت ثراها أذوب وأفنى
وأبعث عشبًا على أرضها
وأبعث زهرة إليها
تعبث بها كف طفل نمته بلادي
كفاني أظل بحضن بلادي
ترابًا، وعشبًا، وزهرة”
وتركت فدوى خلفها ثمانية دواوين شعرية هي على التوالي: “وحدي مع الأيام”، “وجدتها”، “أعطنا حباً”، “أمام الباب المغلق”، “الليل والفرسان”، “على قمة الدنيا وحيداً”، “تموز والشيء الآخر” وختامها “اللحن الأخير” عام 2000.
وفي النثر كان كتاباها عن سيرتها الذاتية “رحلة جبلية رحلة صعبة” و”الرحلة الأصعب”، وقد حصلت على جوائز دولية وعربية وفلسطينية عديدة وحازت تكريم العديد من المحافل الثقافية في بلدان وأقطار متعددة.
كتبت:سمية النجار
مصادر: مواقع إلكترونية