ماذا تعرف عن “الأشجار الميكانيكية” وهل يمكن أن تنقذ الأرض؟
بعد فشل الأشجار في مُجاراة الكميات المتزايدة من انبعاثات الكربون السلبية التي تعد إحدى أهم العوامل المسببة للاحتباس الحراري، بدأت جامعة أمريكية في تطوير تقنيات جديدة لبناء آلات على شكل أشجار ميكانيكية ضخمة هدفها الأساسي امتصاص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الهواء بشكل أسرع وأكثر كفاءة من الأشجار الطبيعية.
وفي ظل تسارع وتيرة التغير المناخي التي بدأت تؤثر سلبياً على الغابات الموجودة بالفعل وتعقُّد نجاح مشاريع إنشاء غابات جديدة، بدأ العلماء حول العالم العمل على مشاريع واعدة من شأنها أن تقدم نقلة نوعية ضمن مساعي امتصاص ثاني أكسيد الكربون المنتشر في الهواء وتخزينه بشكل آمن خلال العقود القادمة.
الاحتباس الحراري
يعد غاز ثاني أكسيد الكربون، القادم بشكل رئيسي من مداخن المصانع وعوادم السيارات والطائرات، من أهم الغازات التي تسبب ما يعرف بظاهرة الدفيئة أو الاحتباس الحراري، إذ تشكل هذه الغازات حاجزاً في طبقات الجو العليا يمنع تناثر أشعة الشمس المنعكسة من الأرض ويوقف تسربها خارج الغلاف الجوي، فتزيد احترار الأرض بشكل غير مرغوب فيه.
من جانبه أشار كلاوس لاكنر أستاذ الهندسة ومدير مركز انبعاثات الكربون السلبية بجامعة ولاية أريزونا في حديث له مع موقع (The Daily Beast) الأميركي، إلى إن الكربون يتراكم في البيئة وتستغرق الطبيعة آلاف السنين لإزالته، وإن العالم حالياً يشهد تركيزاً عالياً من ثاني أكسيد الكربون تجاوز بكثير أي شيء اختبره البشر من قبل.
وأضاف قائلاً: “أن قرنين من حرق الوقود الأحفوري تسبّبا في ضخ مزيد من ثاني أكسيد الكربون، أحد غازات الدفيئة القوية، إلى الغلاف الجوي أكثر مما تستطيع الطبيعة إزالته”، لافتاً إلى أن معظم السيناريوهات تُظهر بشكل جلي أن إنهاء الانبعاثات وحده لن يكون كافياً لتعديل مسار التغير المناخي، الأمر الذي يستدعي البشرية لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الهواء بشكل مباشر.
الأشجار الميكانيكية
ولأن ثاني أكسيد الكربون يختلط بسرعة في الهواء، فلا يهم المكان الذي يجرى فيه إزالة ثاني أكسيد الكربون في العالم، إذ إن الإزالة لها نفس التأثير. لكن ما يعيب تقنيات الالتقاط السابقة أنها تستهلك كميات كبيرة من الطاقة لتشغيل مراوح سحب الهواء، ومن ثم تسخينه لاستخراج ثاني أكسيد الكربون.
لكن الطريقة التي يجري تطويرها حالياً وجدت أساليب أخرى لا تحتاج للكثير من الطاقة، فتقنية “الأشجار الميكانيكية” الجديدة، التي هي عبارة عن أعمدة رأسية طويلة من الأقراص مغطاة براتنج كيميائي، يبلغ قطرها متراً ونصف ويفصل بين القرص والآخر مسافة 5 سنتيمترات، توفر أكثر من نصف استهلاك الطاقة مقارنة بالتقنيات الأخرى، وذلك من خلال استخدامها للرطوبة فقط.
وطريقة عمل التقنية بسيط للغاية، فتمتص الأقراص المغطاة بمادة الراتنج ثاني أكسيد الكربون أثناء هبوب الهواء الجاف، وبعد أن تمتلئ الأقراص تغرق في برميل في الأسفل، حيث يتم إرسال الماء والبخار لإطلاق ثاني أكسيد الكربون في بيئة مغلقة.
ولتعمل هذه التقنية بشكل فعال، عليها التواجد في بيئة تحتوي على هواء جاف وماء، ما يعني أنها لا تكون صالحة للعمل في كل مكان. كما ويمكنها توفير المزيد من الطاقة إذا وضعت في أماكن يتحرك فيها الهواء تلقائياً، حيث لا يعود هناك حاجة لتشغيل مراوح لنفث الهواء حولها.
يجب حبسه بعد الالتقاطه
بحسب لاكنر، فإن تخزين ثاني أكسيد الكربون لمدة 60 عاماً أو 100 عام ليس جيداً بما يكفي. فإذا عاد كل هذا الكربون إلى البيئة بعد 100 عام من الآن، فسيكون كل ما فعلناه هو الاهتمام بأنفسنا فقط، وعلى أحفادنا حينها اكتشاف طرق فعالة لالتقاطه مرة أخرى.
وعن تخزين ثاني أكسيد الكربون وإمكانية تخلص العالم منه على نحو دائم، أشار لاكنر إلى إن ذلك ممكن بالاستفادة من حقيقة أنه حمض وأن بعض الصخور قاعدية، فعندما يتفاعل ثاني أكسيد الكربون مع المعادن الغنية بالكالسيوم، فإنه يشكل كربونات صلبة. وبتعدين ثاني أكسيد الكربون يمكن تخزين كمية غير محدودة تقريباً من الكربون بشكل دائم.
وأوصى لاكنر أنه عندما يخرج الكربون من الأرض، يجب أن يقترن بإزالة متساوية، فإذا كنت تنتج طناً واحداً من الكربون المرتبط بالفحم أو النفط أو الغاز، فأنت بحاجة إلى الحصول على “شهادة حبس الكربون” تفيد بأنك التقطت طناً واحداً من غاز ثاني أكسيد الكربون بالمقابل.
وفي ختام حديثه أشار إلى أن التكنولوجيا الجديدة قد تستغرق عقداً أو عقدين لتحقيق اختراق، ولكن إذا كانت لها جاذبية اقتصادية فيمكن أن تسير الأمور بسرعة، لافتاً إلى أن أول طائرة تجارية كانت متوفرة في عام 1951، وبحلول عام 1965 كانت موجودة في كل مكان.
المصدر: TRT عربي