استغلالًا لزيت الزيتون، الناطق الأصيل باسم أصالة الأرض وعبقها، حرص الفلسطينيون الاستفادة منه حتى آخر قطرة، وعبر السنين، ضمنوه في أطباقهم الشعبية، واستغلوه لأغراض النظافة والتجميل أيضًا.
نعود في التاريخ إلى القرن العاشر، أي إلى عام 1907، ومن قلب نابلس تحديدًا لنشهد ما يزيد عن ثلاثين صبانةً تعتمد زيت الزيتون البكر في صناعة الصابون النابلسي.
وواجهت مصابن نابلس تحديات كثيرة، بعد أن تدهورت صناعة الصابون خلال منتصف القرن العشرين إثر الدمار الناجم عن زلزال عام 1927م بالإضافة إلى الاحتلال الإسرائيلي، واعتباراً من عام 2008 لم يتبقَ من هذه المصانع في نابلس سوى أربعة ، من بينهم مصنع عرفات القديم الذي تحول إلى مركز إحياء وتنمية التراث الثقافي.
هذا الصابون الأبيض الذي يتكون من الزيت والصودا بإضافة الماء فقط، ويطبخ على نار عالية ثم يصب ويقطع يدويًا، دون أن يكتسب أي رائحة أو تضاف له أي مواد كيماوية، ويعتمده الكثيرون في التنظيف.
وتستغرق عملية طبخه من ثلاثة إلى خمسة أيام، فبعد أن يجهز يتم نقله يدوياً بأوعية حديدية (تنكة) إلى الطابق العلوي، حيث تسكب فوق أرض محاطة بإطار خشبي كي لا ينزلق وهو ساخن، ويترك ليجف في مكانها لعدة أيام لتبدأ بعد ذلك رحلة التقطيع.
ويقوم العمال بقشط السطح الخارجي للصابون وكنسه لينظّف من الشوائب، ثم يباشرون بتخطيط الطبقة الخارجية على شكل مربعات صغيرة باستخدام خيط مصبوغ باللون الأحمر.
بعد ذلك، يعملون على ختمه بمطرقة خشبية تحمل شعار الشركة المنتجة، وما أن ينتهوا من التختيم حتى تقطع الصابون إلى مربعات صغيرة لا يتجاوز ارتفاع القطعة الواحدة منها 6 سم، وبعد ثلاثة أيام يتم ترتيب قطع الصابون على شكل تنور أو هرم، تبقى لمدة شهر أو أكثر إلى أن تكتسب الصلابة وتجف تصبح صالحةً للتغليف والتعبئة، مع العلم أن عملية التقطيع والتغليف لم تتغير طريقتها منذ ما يزيد على 200 سنة.
ويعتبر الصابون النابلسي بديلًا جيدًا عن مستحضرات التنظيف الكميائية، وبالإمكان استخدامه بشكل آمن لغناه بزيت الزيتون، المفيد لصحة البشرة والشعر.
ويحضّر الكثير من الفلسطينيين حتى هذا اليوم الصابون في بيوتهم، خاصة في مواسم زيت الزيتون، ويعتمدون الزيت النقي لإعداد الصابون الذي سيستخدمونه لأجل نظافتهم الشخصية، وأحيانًا، يُستعاض بزيت الذرة أو زيوت القلي عن زيت الزيتون، لحالات الاستعمال الخارجي في تنظيف الملابس والبيوت.
وينبغي دعم الصابون النابلسي، ليس لفوائده وجودته فحسب، بل لأنه يعبر عن موروث ثقافي وحضاري وسط ما يصارع في محاولات البقاء حاضرًا في البيوت الفلسطينية والعربية.
كتبت: سُميّة النجّار