بعد أربع ساعات من الاشتباكات العنيفة داخل البلدة القديمة في نابلس، انسحب جيش الاحتلال تحت صليات الرصاص.
في بيانه الذي أصدره بتاريخ 25 أكتوبر، لم يكن جيش الاحتلال ولا جهاز الشاباك على دراية أو معرفة بما جرى في العملية، فلم يذكر أنه استطاع اغتيال مقاومين، واكتفى بالإشارة إلى أن “الفلسطينيون يقولون إن لديهم إصابات”.
كان البيان استثنائيًا على غير العادة، ففي كل مرة يعلن الجيش عن أنه تمكن من الوصول للهدف، ويحدد الاسم، حتى أن إعلانه عن استشهاد المقاوم المستهدف يسبق إعلان الجهات الرسمية الفلسطينية.
في الرواية التي أوردها جيش الاحتلال في بيانه، قال إن الهدف كان تدمير شقة تستخدم لتصنيع المتفجرات، ولم يشر نهائيًا إلى أنه تمكن من الوصول لقيادات “عرين الأسود”.
التفسير يبدو واضحًا، خرج الاحتلال من نابلس دون أن يحقق أهدافه، فلا يعلم من قتل أو أصاب، فكان المخرج الوحيد هو الحديث عن هدف مادي، أي الشقة.
يكشف هذا الارتباك في بيان الاحتلال عن حجم المقاومة التي واجهها جيشه في البلدة القديمة، وعن عدم قدرته على الوصول للحيز الذي كان يتحصن فيه مقاومو العرين، لذلك لم يكن قادرًا على تشخيص الأسماء وطبيعة الإصابات، كما في مرات سابقة، حيث كان يجري تشخيصًا ميدانيًا للشهداء قبل أن يعلن عن أسمائهم.
جاءت العملية في وقت كان الإعلام الإسرائيلي يتحدث في غالبية تقاريره أنه يمكن القضاء على عرين الأسود بالضربة القاضية والعملية العسكرية الواحدة، لكن جيش الاحتلال منح السلطة إمكانية تسوية الملف.
يشير حجم المقاومة والارتباك الذي وقع فيه الاحتلال بعد العملية، حيث لم يمتلك رواية متماسكة عنها، أن الضربة القاضية أصبحت وراء العرين، مع الإقرار بأن اغتيال قيادين فيها يؤثر عليها لكونها مجموعة ناشئة من حيث الحدود التنظيمية، لكنها أصبحت حالة مقاومة شعبية قادرة على تحريك نابلس والضفة الغربية، فخروج الاحتلال والاشتباك لم ينته بعد، ومشهد وصول الشبان إلى البلدة القديمة والمقاومين من مناطق مختلفة إلى نابلس، كان كافيًا ليؤكد على فكرة واحدة: “العرين قوي، ولن يسمح الفلسطينيون بسقوط العرين”.
في خضم كل ذلك، وبعد أن أصدر جيش الاحتلال بيانه، جاء خبر استشهاد وديع الحوح، القيادي البارز في عرين الأسود، ومن المهم في هذا السياق الإشارة إلى أنه في حالة كان الحوح هو المستهدف فإن جيش الاحتلال لم يكن قادرًا على التأكد من تحقيق هدفه، وإن لم يكن هو المستهدف فإن الحوح في النهاية هو أحد المقاتلين الذين بكل تأكيد يتصدون لكل اقتحام إسرائيلي للبلدة القديمة، فهو عرضة للشهادة مع كل اقتحام.
لكن الاحتلال الإسرائيلي حاول الاستثمار في حدث استشهاده لإنتاج خطاب القوة والتفوق، وإنقاذ صورته في ضوء فشله الاستخباراتي والعملياتي في العملية، التي انتهت دون أن يصل الجنود للمنزل الذي كان يشتبك منه المقاومون، ما اضطر جيش الاحتلال لاستخدام الطائرات المسيرة.
نقلًا عن: “شبكة قدس”