الأخبار

“قلم الزيت”.. تقليد سنوي في مدينة سلفيت

انتصف موسم قطف الزيتون بمدينة سلفيت (شمال الضفة الغربية)، وبات ينتظر الضامن مهمة لا تقل تعبا وشقاء عن عمله؛ حيث يبدأ بجمع ثمار زيتونه بعد أن تعهد “قلم الزيت” هذا العام.

“وقلم الزيت” عرف اعتادته سلفيت منذ أكثر من قرن من الزمن، وهو أشبه برسوم رمزية يجبيها ضامن القلم من المزارعين بعد انتهاء الحصاد لتنفق مقابل خدمات تقدم لهم على مدار العام وخاصة أثناء موسم الزيتون.

وعبر بروتكول شعبي يجرى عادة قبيل موعد قطف الزيتون؛ ويرسى مزاد الضمان على الضامن ليخوض تجربته الأولى لضمان قلم الزيت، فيشعر بفخر كبير وهو يحافظ على إرث والده وجده في الإعداد والمشاركة لهذا التقليد.

مبلغ الضمان وقنوات صرفه

وهو مبلغ مستحق على الضامن دفعه- لقلم الزيت (وهو مبلغ متستحق على الضامن دفعه) ويحدد كذلك مبلغ يدفعه المزارعين عن كل كيلو زيت، وهذا المبلغ تحدده اللجنة الزراعية في المدينة وليس ضامن القلم، بينما يحدد المبلغ المترتب على كل مزارع من قبل اللجنة الزراعية في المدينة وليس ضامن القلم.

وهذه اللجنة التي لا يقل عمرها عن عمر قلم الزيت هي من يتولى أيضا الدعوة لمؤتمر عام قبل موسم الزيتون لانتخاب أو تزكية لجنة جديدة تكون أولى وظائفها تحديد موعد لمزاد قلم الزيت والذي يتم علنا ويدعى له أهالي المدينة كافة.

ومن ثم يبدأ الضامن  ومن يختاره ليساعده بهذه المهمة بجمع الرسوم من أي مزارع ينهي حصاده مباشرة، وهو أمر صار سهلا مقارنة بالماضي، في ظل حصر أسماء المزارعين وكميات إنتاجهم بشكل دقيق وإلكتروني لدى المجلس البلدي ومعاصر الزيتون.

 

وليس هناك من يرفض الدفع من المزارعين ولكن ربما يتأخر أحدهم عن سداد ما عليه لبعض الوقت، وهناك من يتصل ليدعوه لأخذ الرسوم بأي مكان يلقاه بالمدينة.

وعلى ضامن قلم الزيت أن يقدر جيدا كمية المحصول المتوقع إنتاجه، وليتجنب أي خسائر عليه أن يستفيد من خبرة المزارعين وكبار السن في تقدير كمية الموسم ليضع قيمة الضمان المناسبة، وما يفيض عن مبلغ الضمان يكون ربحا له.

وتميزت “مدينة الزيتون” سلفيت من بين مدن فلسطين بالمؤتمر العام للمزارعين والذي يعقد سنويا قبل الموسم لتكون أبرز مهامه تحديد موعد قطف الزيتون وانتخاب اللجنة الزراعية التي ينبثق عنها “قلم الزيت”.

الهدف حفظ التقليد

وبتقليد سلفيتي أيضا؛ يعقد اجتماع تضمين قلم الزيت عند “شجرة التوت” المكان الأقدم وسط المدينة، ويحضره المزارعون واللجنة الزراعية والضامنين وعابرو الطريق ومن يرغب بالمشاهدة.

والضامن هو من يدفع قيمة الضمان الأعلى بين المتنافسين الذي يتم بجو أهلي يسوده المحبة والتعاون، ويشترط أن يكون من المدينة نفسها ويعرف أراضيها جيدا لا سيما حدودها وكمية إنتاجها.

وتتولى اللجنة الزراعية المنتخبة وفق قول عضوها السابق إبراهيم الحمد -إضافة لتضمين قلم الزيت- صرف أموال الضمان لخدمة المزارعين وتعيين “المخضرين” (حراس للأرض) مقابل أجر معين لمنع سرقة الثمار والعبث بالأرض وشق الطرق لتسهيل وصول المزارعين لأرضهم وجني محصولهم.

وليس الهدف من تضمين قلم الزيت التكسب المادي بقدر ما هو تقليد جميل يحافظون عليه، ولهذا تدعم اللجنة الزراعية ضامن القلم وتعوض خسارته إذا ما خيبت كمية الإنتاج آماله.

ويكون رئيس البلدية رئيسا للجنة الزراعية وأحد أعضاء البلدية عضوا فيها إضافة إلى 7 أو 9 مزارعين، ويناقشون معا أية مشاكل تواجه المواطنين ويسعون لحلها، ويولون عناية خاصة بشجرة الزيتون عبر تحديد موعد القطف وآليته ودعم تسويق منتج الزيت.

وليس على ضامن قلم الزيت سوى جباية الرسوم والإبلاغ عن أي مخالفة يرتكبها المزارعون، بينما تتولى اللجنة دورها بالتصدي لاعتداءات المستوطنين والخنازير البرية التي يطلقونها ورفع شكاوى ودعوات قضائية ضد مصادرة الاحتلال للأرض، كما تحرر مخالفات ضد من يسرقون لثمار أو يبكرون بالنزول للموسم قبل الموعد المحدد عبرها.

ويقدر تعداد مدينة سلفيت بنحو 15 ألف نسمة يعمل معظمهم بالزراعة، وتقدر مساحة أراضيها بـ28 ألف دونم، ويزرع غالبها بالزيتون، وتنتج  بين 350 و500 طن في “الموسم الماسي” ذو الإنتاج الجيد ونحو 100 طن إذا كان الموسم “شلتونيا” باللهجة المحلية أي أقل إنتاجا.

عهد قديم

وبهذا التقليد السنوي يحافظ السلفيتيون على زيتونهم ويحمون أرضهم، ولهذا يواصل الحاج محمود عودة (أبو أيمن) دفع ما يترتب عليه من رسوم سنوية على إنتاجه من الزيت البالغ نحو طنين من الزيت سنويا.

ومنذ صغره عهد أبو أيمن (84 عاما) تقليد قلم الزيت، ويقول للجزيرة نت إنه عايشه مع نهاية حكم الإنجليز وخلال الحكم الأردني للضفة الغربية، ويأمل المسن أن يظل هذا العرف قائما وتتفرع مهامه طوال العام.

وكانت الأموال آنذاك تجبى وتدفع أجرة لحراس الأرض الذين كان من وظيفتهم أيضا منع الحصاد المبكر للزيتون أو استعمال العصي بدلا من القطف اليدوي أو ترك الماشية لترعى بالأرض المشجرة حفاظا عليها.

وأمام هذا يأمل السلفيتيون حذو قرى ومدنا فلسطينية أخرى حذوهم بمثل هذه التقاليد الهادفة للحفاظ على الأرض وخاصة في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها على يد الاحتلال ومستوطنيه.

المصدر : الجزيرة

 

زر الذهاب إلى الأعلى
تلفزيون المدينة

مجانى
عرض