في واحدة من أشد المدن عراقةً وأصالة، تلحظ كل التفاصيل مميزة، وكل البنيان تشهد على الحضارة، حتى تكياتها ومقاهيها، وهذه نابلس كما تُعرف، وكل ما فيها ينطق بجمالها.
وواحد من البنيان ذو الامتداد التاريخي الذي يحفظ رائحةً تعود للعصر العثماني في نابلس، مقهى الهموّز بما يبلغ عمره القرن ويزيد، وتزين بوابته بهلال نسبة إلى هلال العلم التركي.
وأنشئ مقهى الهموّز عام 1892 في عصر الحكم التركي للبلاد، تلحظ ذلك في هندسة بناءه وشبابيكه، وأبوابه، وفي حجارة السور، وبلاط الأرضيّة، والبوابة الحديدية، والنافورة، التي تتوسَّط المكان بزخارفها القديمة، وحتى النرجيلة التي استُعملت في تلك الفترة لا تزال محفوظة كتراث إلى جانب الصور المعلَّقة على الجدار باللَّونين الأبيض والأسود.
تفاصيل تُطالع الزائر من خلف مستطيل زجاجي شفاف وليس فيها طيّة واحدة، حتى ليحسب الناظر إليها أن الوجوه في هذه الصور لا تزال حيّة ولو أنه مدّ سبابته إليها لأعادته إلى زمنها.
ويحتفظ الهموز بكل المقتنيات التي عبّرت عنه عبر السنين، فالمذياع الأول الذي كان يعمل ببطاريات السيارات ما زال موجودًا، وكان يبث في أربعينيات هذا القرن تلاوة الشيخ محمد رفعت من القاهرة، بينما يجتمع كبار شخصيات نابلس لسماعه.
ومن داخل الهموز، تعالت دندنات أم كلثوم وفريد الأطرش وكايروكي عندما حضروا وغنوا فيه، أما فيروز فوصلت عتباته ولم تدخله، كما وحضر فن المسرح في قاعات الهموز، وتم الاستغناء عنه مع الحداثة التي بدأت تأكل هذا النوع من العروض، واستعيض عنه بالتلفاز والسينما.
رايق الهموز، صاحب المقهى قال في وقت سابق لـ”الجزيرة الوثائقية” إن الهموز يلّم الشعب بكافة أطيافه وطبقاته، وهذا ما يجعله مميزًا، في الصباح تجد كبار السن وطلاب الجامعات، وفي فترة العصر وما يليها تجد الشباب قد توافدت واكتظ بهم المكان.
وتابع موضحًا أنه وبعد مضيّ الأتراك، جاء الاستعمار البريطاني إلى فلسطين ولم يترك رقعة طليقة منها، وصار مقهى الهموز ثكنةً عسكرية، وأُغلقت أبوابه لمدة 6 أشهر تقريباً إثر السيطرة البريطانية على المكان.
ولـ”تلفزيون المدينة“، تحدث أحد العاملين في المقهى منذ عام 1984، واسمه وائل حجاب قائلًا: “كان يتردد إلى المقهى كبار وزعامات نابلس من عائلة الشكعة وكنعان وغيرها، تعرفهم بطرابيشهم فوق رؤوسهم، إضافة إلى أن المغتربين في زيارة البلاد، يكون الهموز أول وجهتهم”.
ومنذ 45 عامًا، يتردد الحاج محمد حبيشة إلى مقهى الهموز برفقة أصدقائه، ولا يغادرها حتى يوم الجمعة إلى ما قبل الصلاة، ويدخن وصحبه الأرجيلة، ويتعرف إلى غيره من الحاضرين إلى المقهى.
كتبت: سمية النجار
المصدر: تلفزيون المدينة+الجزيرة الوثائقية