“مدينة الاشتباك”.. جنين تؤرّق الاحتلال على مر التاريخ
عقب هروب ستة سجناء من الأبطال أبناء محافظة جنين من سجن “جلبوع” قرب منطقة بيسان المحتلة، خرج الآلاف من أبناء الضفة الغربية، وأبناء محافظة جنين، على وجه الخصوص بروح معنوية غامرة بالفخر والاعتزاز.
وليس جديدًا هذا الفخر على جنين التي قدمت حدّ التعب ولم تتعب، ولم تستسلم في أي مرحلة من مراحل التاريخ الفلسطيني، وتركت بروحها المتمردة ودماء أبطالها بصمة فلسطينية طبعت بالعار على جبين دولة الاحتلال.
الحكاية بدأت منذ عام 1977، أي المحاولات الفرنسية لاستعمار البلاد، حين استبسل أهالي جنين بقيادة الشيخ يوسف جرار لمعونة العثمانيين في التصدي لحملة نابليون، وعندما انتصر نابليون، جاء الرد قاسيًا بإحراق جنين والقرى المجاورة بها.
أما في عام 1929، نفّذ أبناء قباطية قضاء جنين أول عملية اغتيال ضد الإنجليز حيث اغتالوا المستشار القضائي للانتداب، وحاكم اللواء الشمالي وحاكم جنين، ووقع العقاب بالإعدام والاعتقال وهدم المنازل في قباطية.
وردًا على الاستعمار البريطاني، قاومت جنين أشد مقاومة، خاصة في ثورة عام 1935، حيث أطلق الشيخ المجاهد “عز الدين القسام”، الشرارة الأولى للثورة ضد البريطان، وأسفرت المواجهة عن استشهاده ورفاقه، لتكون دماؤهم الطاهرة شرارة انطلاق الثورة الكبرى عام 1936.
وفي أعقاب النكبة الفلسطينية عام 1948، خاض أبناء جنين، وأبطال الحامية العراقية، معركة ضارية لتحرير المدينة، و7 قرىً مجاورة انتهت بمئات القتلى من العصابات الصهيونية بحسب بعض المصادر، وغنيمة من الأسلحة.
ويُشار إلى جنين بالبنان حين يُذكر اجتياح عام 2002، والذي كان ضمن عملية اجتياح شاملة للضفة الغربية، أعقبت تنفيذ عملية تفجير في فندق في مدينة نتانيا، وقد هدفت عملية الاجتياح إلى القضاء على المجموعات الفلسطينية المسلحة التي كانت تقاوم الاحتلال.
في حين كانت جنين، وبلدة نابلس القديمة، مسرحاً لأشرس المعارك التي دارت خلال الاجتياح، حيث قرر مجموعة من المقاتلين الفلسطينيين محاربة القوات الإسرائيلية حتى الموت، الأمر الذي أدى إلى وقوع خسائر جسيمة في صفوف القوات الإسرائيلية، ومن ثم قامت باجتياح مخيم جنين في محاولة للقضاء على المجموعات المقاتلة حيث تم قتل واعتقال الكثير منهم.
كما قامت القوات الإسرائيلية بعمليات تنكيل وقتل بحق السكان – حسب المصادر الفلسطينية ومعظم المصادر الأخبارية العالمية المحايدة والجمعيات الدولية- أدى إلى سقوط العشرات، فيما حمّلت دولة الاحتلال المقاتلين الفلسطينيين مسؤولية تعريض حياة المدنيين للخطر.
ومنذ بداية العام، قتل الاحتلال 10 فلسطينيين خلال اقتحاماته لمدينة جنين، 8 منهم استشهدوا خلال الشهرين الأخيرين، ومع كل شهيد يرتقي يصرّ المقاومون على الاشتباك أكثر.
البسالة التي يظهرها المقاومون في جنين نالت تأييداً فلسطينياً واسعاً انعكس في آلاف المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، تعبر عن الفخر بهم والإشادة بالمقاومة، وهو ما أثار حفيظة الاحتلال الذي صعّد من تحريضه الإعلامي على جنين ومقاومتها.
وظهر ذلك فيما قاله الصحفي بن كسبيت من صحيفة معاريف الإسرائيلية “أي مختص يعمل في الشاباك (جهاز الأمن العام الإسرائيلي) يدرك أن جنين بعيدة عن الهدوء، بل تزداد هياجاً وتطرفاً، إنه أمر محزن ومقلق، والسلطة تفقد السيطرة هناك”.
وعلى مر السنون وتعاقب الأحداث، ظلت جنين حاضر بدور بطولي ساخن، وعلى خط الدفاع الأول ضد أشرس المعارك دون توانٍ أو تخاذل، وحافظت على اسم أسطوري يؤرق دولة الاحتلال، “مدينة الاشتباك”.
كتبت: سمية النجار
المصادر: متراس+ الجزيرة نت + مواقع إلكترونية