حكايات فلسطينية لا تنتهي، وسيناريوهات مفاجئةً كل مرة، تقتنص ثغرات العدو لتباغته بها، كان آخرها ما استيقظ عليه سجن الجلبوع فجر اليوم، 6 أبطال ابتزوا العدو من موضع أمنه، في قصة تظنها من نسج الخيال حتى تعرف أبطالها، وتستذكر أنهم أبناء سيناريوهات سابقة عانقت نورها أخيرًا.
من زاوية أخرى، حيث شاشات العرض العالمية تستقطب الملايين لمتابعة مشاهد مبدعة، وحبكة مشغولة بأشد الإتقان وبأكثر المعدات تطورًا، من نسج الخيال، ليس كما فعلها الأسوى الفلسطينيون، من نسج واقعهم المر وزنازينهم العتمة، بالملعقة والمسمار، شهورًا متواصلةً من العمل الخفي عن عيون الاحتلال وهم أسراهم، وفي حادثة هزّت الكيان الأمني دون رحمة.
مسلسل ” Prison Break”
القصة الشهيرة للمسلسل يمكن اختصارها في الشقيقين مايكل ولينكولن، يُتهم لينكولن بجريمة قتل شقيق نائبة الرئيس الأميركي ويُحكم عليه بالإعدام، فيبدأ مايكل المعماري العبقري في التخطيط لتهريبه من السجن بأن يزج بنفسه في ذات السجن معه، مع رسم تفاصيل خطة الهروب وخريطة السجن الذي شارك في تصميمه يوما ما في وشم عملاق على معظم جسده.
بخطوط درامية عديدة تتطور الأحداث في السجن وخارجه، حيث تتكشف في غموض المؤامرة التي يدفع ثمنها لينكولن، والشخصيات المهمة المتورطة في الأمر، وذلك الكيان الغامض الشرير الذي لن يُعلن عنه إلا لاحقاً تحت اسم “الشركة”، وخطوات محاولة الهرب التي تفشل والخطط البديلة لها، والتفاصيل المغرقة في الذكاء وإثارة التوتر، استطاع المسلسل أن يحقق تقييماً ممتازاً بنهاية موسمه الأول، والذي كان مقرراً له أن يتوقف عند ثلاث عشرة حلقة، لكن كتابه استطاعوا مده إلى اثنتين وعشرين مختتمين الموسم بهروب الشقيقين وكل من ساعدهما، أو ابتزهما للهرب معهما، فقط ليجد الجميع أنفسهم مطاردين من الشرطة بشكل مستمر.
ورغم انتهاء الحدث الرئيس بالهروب من السجن فإن أبطال المسلسل أصبحوا مطاردين، وللوصول لنقطة الأمان الأخيرة عليهم مواجهة الكثير من الأحداث، إذن فالهروب مستمر، وهو ما ساعد على استمرار نجاح المسلسل والحفاظ على أعداد المشاهدين.
عملية بطولية تحاكي المسلسل
القصة هنا مختلفة، وأشد تعقيدًا بمراحل، وبعيدًا عن أي تمثيل أمام الكاميرات، بل عمل جاد ومدروس في اتجاه الشمس وسماء الحرية، حققها ستة أبطال من مدينة جنين المحتلة، ومن داخل زنزانة معزولة الليل والنهار، 4جدران تحيط 6 أرواح لم تعرف للمستحيل طريقاً.
ملعقة ومسمار، وجهد جماعيٌ واصلوا ليله بنهاره حتى حققوا عملية هروب أسطورية من السجون الإسرائيلية، ومن واحد من أشد السجون تحصينًا، سجن جلبوع أو ما يعرف بسجن “الخزنة”، الذي افتتحته دولة الاحتلال عام 2004، قرب سجن شطةفي منطقة بيسان، بعد أن تم تأسيسه على أيد خبراء إيرلنديون.
ويعرف أبطال هذا العمل بأرواحهم المتمردة على كافة قيود الاحتلال، فمثلا، تستذكر زميلة زكريا الزبيدي مداخلته في إحدى محاضرات كلية الدراسات العليا، وقد كان يدرس المطاردة في التجربة الفلسطينية (1968-2018) قائلًا: “أأمن طريق للهروب من العدو هو الباب الرئيسي، لأنه المكان الذي لن يتوقعه لا العدو ولا جواسيسه” فردت عليه قائلةً “مستحيل الاحتلال يكون بهالسفاقة وما يأمن المداخل ” ليرد عليها الزبيدي “مش أي مداخل بتأمن الهروب ديري بالك.. الرئيسي بس”.
وقال عضو المجلس الثوري لحركة “فتح” جمال حويل لـ”العربي الجديد”، “إن جد الزبيدي، واسمه محمد والملقب بالجهجاه، فرّ من سجن شطة فترة الاحتلال الإنكليزي، وقد كان محكوماً بالسجن المؤبد حينها”.
وتعرض محمود العارضة، وهو آخرٌ ممن تمكنوا من الهرب فجر اليوم، خلال فترة اعتقاله الطويلة للكثير من العقوبات والتضييق من مصلحة السجون، حيث عزلته في 19-6-2011، وبعد 4 أشهر من العزل عقدت له محكمة داخلية وجددت له العزل لمدة 60 يوماً دون ذكر الأسباب، وكذلك فقد تم عزله بتاريخ 11-6-2014، على خلفية اكتشاف نفق في سجن شطة معدّ للهروب، وأمضى في العزل ما يزيد عن سنة.
وكان أيهم كممجي أيضًا، ضمن المجموعة التي اتهمها الاحتلال عام 2014 بحفر نفق ومحاولة الهروب من نفس سجن جلبوع، وتم تحويله للعزل.
وببطولتهم أرغموا دولة الاحتلال الاعتراف بأشد العبارات صراحةً أن نجاحهم بالفرار هو فشل عملاق في تاريخ أمن مديرية سجون “إسرائيل”، واستطاعوا محاكاة واحد من أشهر المسلسلات الدرامية بسيناريو فلسطيني وحبكة جابهت دولةً تزعم أن أمنها مقدّس.
كتبت: سمية النجار
المصدر: تلفزيون المدينة +الجزيرة +العربي الجديد+ مواقع التواصل الاجتماعي