شهدت شركة “فيسبوك” ضجة داخلية كبيرة خلال الأسابيع الماضية، حيث عقدت سلسلة من الاجتماعات لإخمادها، وقد بدأت تلك الضجة -بحسب مقال بصحيفة “نيويورك تايمز” بعدما نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” سلسلة مقالات الشهر الماضي أظهرت أن “فيسبوك” على علم بأضرار خدماتها، بما في ذلك الفتيات المراهقات اللواتي قلن إن تطبيق “إنستغرام” جعلهن يشعرن بالسوء تجاه أنفسهن، واستندت المقالات إلى مجموعة من وثائق “فيسبوك” التي سربها شخص مجهول الهوية.
وأثار الكشف على الفور موجة من الانتقادات من المنظمين والمشرعين الأميركيين الذين تحرك العديد منهم بسرعة لمحاسبة الشركة، ومع تصاعد التدقيق، قررت فيسبوك تأجيل إطلاق تطبيق “إنستغرام” للأطفال الذي كانت تروج له، ويوم الخميس الماضي تم استجواب رئيس السلامة العالمية في “فيسبوك” أنتيغون ديفيس لأكثر من ساعتين من قبل المشرعين الأميركيين حول الأضرار العقلية والعاطفية التي يمكن أن تلحقها خدمات الشركة بالأطفال.
وبحسب المقال فإن أزمة داخل “فيسبوك” اجتاحت كبار المسؤولين التنفيذيين، وانتشرت تداعيات ما حصل في أجزاء من الشركة وأدى ذلك لتعطيل “مجموعة الشباب” التي تشرف على البحث والتطوير لمنتجات الأطفال مثل “ماسنجر كيدز، وفقاً لمقابلات مع عشرات الموظفين السابقين والحاليين، الذين لم يكن مصرحاً لهم بالتحدث علناً، وفقا للمقال.
احتجاب زوكربيرغ
وللتغلب على الجدل، وافق الرئيس التنفيذي لشركة “فيسبوك” مارك زوكربيرغ ورئيسة العمليات شيريل ساندبيرغ على القرارات التي اتخذت خلال الأسابيع القليلة الماضية بشأن كيفية الرد، ولكنهما تعمدا الابتعاد عن أعين الجمهور تجنباً للصحافة السلبية.
واعتمدت الشركة على فرق “الاستجابة الإستراتيجية”، التي تشمل موظفي الاتصالات والعلاقات العامة، لكن بعض إجراءات الاحتواء التي انتهجتها “فيسبوك” أدت في بعض الأحيان إلى نتائج عكسية مع العاملين لديها بعدما قللت الشركة من أهمية البحث الداخلي الذي استندت إليه “وول ستريت جورنال” جزئياً في مقالاتها، مشيرة إلى أن تلك النتائج كانت محدودة وغير دقيقة.
وبحسب الكُتَّاب، فإن 3 أشخاص قالوا إن هذا أثار غضب بعض الموظفين الذين عملوا في البحث، وتجمعوا في محادثات دردشة لشجب توصيفات فيسبوك باعتبارها غير عادلة، وهدد بعضهم بشكل خاص بالاستقالة.
وفي إحدى سلاسل الرسائل النصية الجماعية التي تمت مشاركتها مع “نيويورك تايمز”، ناقش علماء البيانات والباحثون في “فيسبوك” كيف أنهم كانوا “محرجين” من شركتهم، وكتب أحد الموظفين على لوحة رسائل الشركة يقول في منشور “إنهم يسخرون من البحث”.
ومن غير المرجح أن تهدأ الضجة، إذ إن موظفة سابقة في “فيسبوك” ستظهر في جلسة استماع في مجلس الشيوخ غداً الثلاثاء للإدلاء بشهادتها حول ما اكتشفته أثناء إجراء البحث في فيسبوك.
فرق “الاستجابة الإستراتيجية”
ومنذ نشر مقالات “وول ستريت جورنال” بدءاً من 13 سبتمبر الماضي، سعت فرق “الاستجابة الإستراتيجية” في “فيسبوك”، والتي تعاملت مع العديد من الأزمات في السنوات الأخيرة، للحصول على معلومات من كبار الباحثين في “فيسبوك”، بحسب ما نقلت “نيويورك تايمز” عن مصادرها.
وقال شخصان على اطلاع على المكالمات إن المسؤولين التنفيذيين اجتمعوا أيضاً لمناقشة مستقبل البحث في “فيسبوك”، وتساءل البعض ما إذا كان يجب على الشركة مواصلة إجراء الأبحاث على منتجاتها، لأنهم قالوا إن شركات مثل “آبل” لم تجر دراسات مستخدم مماثلة، لكن استقر بهم الرأي على الاستمرار فيها.
وحاولت الشركة تهدئة مخاوف موظفيها بشأن منتجاتها للمراهقين، وقال رئيس “إنستغرام” في منشور داخلي الشهر الماضي إنه “فخور” بأن الشركة أجرت البحث الوارد في مقالة “وول ستريت جورنال”، وأضاف أننا “نستثمر بكثافة في السلامة والنزاهة”، لكن بعض الموظفين قالوا إن المنشور -الذي تمت مشاركته مع صحيفة التايمز- لم يفعل الكثير لتخفيف مخاوفهم.
وكتب أحد الموظفين في مذكرة داخلية منتشرة على نطاق واسع “إذا كان بإمكان “إنستغرام” أن يتسبب في أن يقوم 3% من مستخدمينا بالإبلاغ عن أفكار سلبية بشدة (اكتئاب، قلق، إيذاء النفس)، فأعتقد أن هذه مشكلة تستحق البحث فيها”، مضيفاً أن سياسة الشركة في التستر على هذا النوع من الأبحاث “تخلق مشاكل سياسية وتنظيمية وقانونية صعبة للشركة”.
شروح فيسبوك
وبعد الاجتماعات مع فرق “الاستجابة الإستراتيجية” والمديرين التنفيذيين الآخرين، الأربعاء الماضي، أصدرت “فيسبوك” علنا تقريرين بحثيين استندت عليهما “وول ستريت جورنال” جزئياً في مقالاتها، وذلك قبل جلسة مجلس الشيوخ يوم الخميس الماضي، لكن الشركة قدمت شروحاتها التوضيحية على التقريرين، في محاولة للتقليل من أهمية النتائج.
وفي جانب إحدى صفحات البحث التي تقول إن “المراهقين الذين يعانون من الصحة العقلية يقولون إن “إنستغرام” يزيد الأمر سوءًا”، أضافت الشركة أن العنوان الرئيسي غير دقيق، وبدلا من ذلك كتبت “يجب توضيح العنوان الرئيسي ليكون: المراهقون الذين لديهم مستوى أقل من الرضا عن الحياة من المرجح أن يقولوا إن “إنستغرام” يجعل صحتهم العقلية أو الطريقة التي يشعرون بها تجاه أنفسهم أسوأ من المراهقين الذين يشعرون بالرضا عن حياتهم”.
وبعد أن أصبحت شروحات” فيسبوك” التوضيحية تلك علنية، راسل باحثو الشركة بعضهم بعضا في حالة عدم التصديق، على حد قول اثنين من الموظفين. وأضافوا أن الكثيرين شعروا أن تلك الإضافات ألقت بهم -وبمنهجيتهم- تحت الحافلة.
كما تحركت “فيسبوك” لوقف أي تسريبات مستقبلية، وقال أحد باحثي الشركة إن الفريق القانوني اتصل بزميل له الأسبوع الماضي وسُئل عن تقرير بحثي نشره منذ أكثر من عامين، وقال يبدو أن الفريق القانوني يفتش عن أي بحث يحتمل أن يدين الشركة يمكن مشاركته مع الصحفيين، والآن قال إنهم أخبروه أن الوقت مناسب لأخذ إجازة.