في الوقت الذي تفرضُ فيه قوات الاحتلال حصارًا مُطبقًا على المسجد الأقصى المبارك، ويبدو فيه المشهد أشبه بـ “الفارغ”، تحشدُ جماعات “الهيكل” المتطرفة أنصارها لتنفيذ اقتحاماتٍ واسعةٍ فيه؛ لإحياء ما يُسمى بـ “عيد الأنوار” اليهودي “حانوكاه”، الذي يبدأ في 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ويستمر لثمانية أيام.
ويُعتبر “الحانوكاه” من أكثر الأعياد اليهودية ارتباطًا بـ “الهيكل” المزعوم من ناحية الرواية التوراتية، حيث يُعيد اليهود بهذا العيد “إحياء ذكرى تدشين وبناء الهيكل المزعوم”، ويُعتبر “الشمعدان” من أهم رموز العيد، حيث تُضاء شعلةً جديدةً منه يوميًا على مدار الأيام الثمانية.
ودعت جماعات “الهيكل” أيضًا، إلى المشاركة بمسيرةٍ كبيرة غدًا الخميس، الساعة السابعة والنصف مساءً، تمرّ ببابي العامود والساهرة وبعض أبواب المسجد الأقصى وصولًا لحائط البراق؛ لإضاءة “الشمعدان” الكبير، والدعوة العلنية لـ”إنهاء وصاية الأوقاف الإسلامية على الأقصى، وفتحه كاملًا لاقتحامات المستوطنين”.
واستعدادًا لهذا العيد، بدأت بلدية الاحتلال في القدس منذ أيام بنصب “الشمعدانات”، وأضاءت سور القدس بشعاره.
“تهويدٌ واستغلالٌ للعدوان”..
وفي هذا الإطار، يقول الكاتب والمحلّل السياسي راسم عبيدات إنّ الاحتلال يستغل حالة الطوارئ وانشغال العالم بالعدوان على قطاع غزّة؛ من أجل تنفيذ اقتحاماتٍ مُكثّفة في المسجد الأقصى، وفرضِ وقائعٍ جديدة فيه، في ظلِ غياب المُصلّين.
ويُحذّر عبيدات، من مخطّطات المستوطنين بتنفيذ اقتحاماتٍ “أوسع وأشمل”، يتخلّلها طقوسًا تهويدية وتلمودية تسعى لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى والاستفراد به؛ بدعمٍ من شرطة الاحتلال وشخصياتٍ متطرفة مثل “بن غفير” و”سموتريش” و”يهودا بن غليك”.
ويُرجّح أنّ “المستوطنين سيستغلون الحرب القائمة لرفع أعلام الاحتلال في باحات الأقصى للتأكيد على أنهم أصحاب سيادة وسيطرة، إلى جانب الدخول إليه بلباس الكهنة الأبيض، وأداء السجود المحلمي والصلوات الجماعية وقراءات للتوراة في منطقة مُصلّى باب الرحمة”.
“حربٌ شاملةٌ وممنهجة”..
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، تفرضُ سلطات الاحتلال إجراءاتٍ مشدّدةٍ على المسجد الأقصى ومحيط البلدة القديمة بالقدس، وتمنع المقدسيين من دخوله والصلاة فيه، وتعرّضهم للتنكيل والضرب، وتجري عمليات تفتيشٍ وتدقيق لبطاقاتهم الشخصية ومقتنياتهم، وفق ضيفنا.
ويُبيّن “عبيدات” أنّ قوات الاحتلال تمنع المقدسيين أيضًا من إقامة صلوات الجمعة في شوارع القدس القريبة من المسجد الأقصى، وتقمعهم بالضرب والدفع وتُنكّل بهم، وتعتدي عليهم بالقنابل الصوتية والغازية والمياه العادمة.
ويضيف: “أعداد المصلين في أيام الجُمع الثمانية الماضية، انخفضت من 50 ألف إلى أربعة أو خمسة آلافٍ فقط، بينما انخفضت أعداد الوافدين لصلاة الفجر من 5 آلاف إلى 120 مصلٍّ فقط، يدخلون تحت قيودٍ شديدة”.
وينوّه عبيدات أنّ هذه الإجراءات يُرافقها سلسلةً من التضييقات والاعتداءات التي تشمل؛ قرارات إبعاد واعتقالات وهدم مكثّف للمنازل وتهديد مُتصاعد واستهداف للشخصيات الدينية والوطنية والفعاليات الناشطة في القدس.
ويرى أنّ “ما يحصل يندرجُ في إطار الحرب الشاملة والمُمنّهجة والعقوبات الجماعية التي يشنّها الاحتلال على الشعب الفلسطيني؛ في أعقاب معركة “طوفان الأقصى”.
“استفرادٌ غير مسبوق”..
بدوره، يعتبر الباحث والمختص في شؤون المسجد الأقصى عبد الله معروف، أنّ جماعات “الهيكل” ستتّخذ من عيد “الأنوار” فرصةً سانحةً وذهبية لتكثيف وجودها بشكلٍ غير مسبوق في الأقصى، في تطبيقٍ كاملٍ وشامل لمفهومٍ يتجاوز التقسيم الزماني والمكاني؛ ويصلّ للاستفراد به باعتباره “مُقدّسًا خاصًابهم”، يُمنع المسلمون من دخوله.
ويخشى “معروف” أنّ تكون هذه الأيام فرصةً للجماعات المُتطرفة لتثبيت واقعٍ جديدٍ في الأقصى أو للاعتداء عليه باقتطاعه أو تخصيصه لهذه الجماعات؛ خاصةً في ظلِ غياب الوجود الإسلامي فيه بشكلٍ كامل.
ويُحذّر من أنّ “طبيعة الدعوات التي انتشرت ونوعية الجهات التي تدعو إليها تؤكّد أنّ هناك جهدًا جماعيًا لعددٍ كبيرٍ من منظمات الهيكل المتطرفة، والتي عادةً يبلغُ أكبر تعدادٍ لأعضائها ما بين ألفين وثلاثة آلاف مستوطن”.
ويستدرك: “الخطورة هنا ليست في العدد بقدر ما هي في كيفية ونوعية الاقتحامات؛ باعتبارها أول مرةً يتمّ فيها اقتحام الأقصى بمناسبةٍ كهذه مع غيابٍ كاملٍ للمصلّين ومنعهم من دخوله منذ نحو شهرين”.
ويلفتُ إلى أنّ “هذه الجماعات تنوي تنظيم مظاهرةً كبرى في البلدة القديمة بالقدس مساء الخميس القادم؛ للمطالبة بمعاقبة المسلمين على أحداث 7 أكتوبر، ومنعهم من الدخول نهائيًا إلى المسجد الأقصى، بموافقة شرطة الاحتلال وبقيادة عددٍ من حاخامات مستوطنات جنوب الضفة الغربية، كديفيد بن مورية وباروخ بن يوسيف”.
ويوجّه “معروف” دعوةّ للفلسطينيين “للالتفاف حول المسجد الأقصى، وتكثيف الحشد والرباط فيه وإعماره”.
ويدعو الأمّة العربية والإسلامية لإعادة الصدارة لقضية القدس والمسجد الأقصى، وتحمّل مسؤولياتها تجاهه، وفهم خطورة الواقع التي تسعى الجماعات المتطرفة لتطبيقه فيه.
دعواتٌ للحشد والرباط..
وتزامنًا مع هذه الدعوات والمخطّطات الاستيطانية، دعت حراكات شبابية في مدينة القدس، لضرورة الرباط في المسجد الأقصى لمن يستطيع الدخول إليه، وطالبت الحراكات بتصعيد الاشتباك والمواجهة، والتواجد في أقرب نقطةٍ إلى المسجد الأقصى لمنع تمرير مخططات المستوطنين.
وأكّدت الحراكات الشبابية، أنّ المسجد الأقصى حقٌ خالص للمسلمين، وأنها لن تسمح للاحتلال ومستوطنيه بتنفيذ مخطّطاتهم الخبيثة، في ظل انشغالِ العالم بالعدوان على قطاع غزّة، وأكّدت أن التصدي للاحتلال والمستوطنين هو أقل الواجب في الدفاع عن الأقصى.
المصدر: سند