خبير في الدراسات المستقبلية يستشرف مسارات ما بعد طوفان الأقصى
أشار خبير الدراسات المستقبلية الدكتور وليد عبد الحي أن عملية طوفان الأقصى في قطاع غزة شكَّلت نقطة تحول استراتيجية فعلية لا افتراضية، وكرَّست العملية انتقال المواجهة من يد الجيوش الرسمية إلى يد الحركات الشعبية المسلحة والمسنودة بتأييد شعبي عربي واسع.
جاء ذلك في ورقة علمية أصدرها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تحت عنوان: “سيناريوهات ما بعد طوفان الأقصى”، وتوقعت أن تحمل عملية الطوفان للعامين القادمين مسارات متعددة تنطوي على تداعيات لا بدّ من التنبّه لها، والتفكير في إعداد الخطط الاستراتيجية للتعامل معها.
وسرَّعت العملية -وفق عبد الحي- التغيير الإيجابي في الرأي العام الدولي ليصل مداه إلى مجتمعات الدول الأكثر عداءً للحقوق الفلسطينية، كما فرضت العملية على العقل الإسرائيلي إعادة النظر في أدبيات التفاؤل السياسي بمستقبل “إسرائيل” التي روَّج لها اليمين الصهيوني.
ودرست الورقة من خلال تطبيقات الدراسات المستقبلية مسارات اتجاهات الأحداث، وسعت لتحديد الاتجاه الأعظم، والبناء عليه في التوقعات.
تحديات فلسطينية
فعلى المسار الفلسطيني توقع عبد الحي أن تواجه القيادة والمجتمع الفلسطيني تحدي إعادة تأهيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة إلى طبيعته التي كانت سائدة على أقل تقدير قبل العدوان، وهو ما سيواجه قدراً من العراقيل.
وحذر عبد الحي من أن يصبح جمع مبالغ إعادة التأهيل موضع “ابتزاز للمقاومة”، خصوصاً وأن مفاوضات الأسرى والرهائن التي قد تطول أو تقصر طبقاً لمعطيات ميدان المعركة، وقد تواجه المقاومة ضغوطاً وإغراءات في معالجة هذا الملف، وستحاول “إسرائيل” والولايات المتحدة وبعض الدول العربية الضغط على المقاومة للتنازل عن فكرة “تبييض” السجون من المعتقلين الفلسطينيين، وسيتم ربط بعض هذه الجوانب بتقديم المساعدات وفتح المعابر.
وأشار أن جمع الأموال سيأخذ وقتاً قد يطول وقد يقصر، طبقاً لدرجة الاستجابة، المرتبطة بمواقف الدول المانحة، بعكس المساعدات العينية التي قد تتدفق سريعاً. ورأى إلى أن الدول العربية الأكثر قدرة على تقديم المساعدات هي الأقل تناغماً مع توجهات المقاومة الفلسطينية، وهو ما سيدفعها إلى وضع شروط سياسية.
وتوقع د. عبد الحي أن تفرض الولايات المتحدة والدول الأوروبية واليابان شروطاً سياسية وإدارية على مساعداتها، وستكون دالة تلك الشروط هو إضعاف المقاومة من كل الوجوه، ووضعِها أمام خيارات سياسية صعبة ودقيقة، أما المساعدات الصينية والروسية فقد تكون دون شروط سياسية، لكنها، وخصوصاً الروسية، ستكون متواضعة قياساً إلى حجم المبالغ المطلوبة، نظراً للظروف الحالية في روسيا.
كما توقع أن تربط مصر بين مرور المساعدات والمواد المطلوبة لإعادة البناء والتأهيل الاجتماعي، وبين أن يكون لشركاتها نصيب وافر في مشروعات إعادة التأهيل، خصوصاً المؤسسات التابعة للجيش المصري، على غرار ما جرى بعد العدوان في سنة 2021.
وأشار الباحث أيضاً إلى احتمال أن تواجه المقاومة تنازعاً في الاختصاص بينها وبين السلطة الفلسطينية خصوصاً في مجال تلقي أموال المساعدات وكيفية توزيعها وأولويات الصرف منها.
المستوى الإقليمي
أما على المستوى الإقليمي، فأشارت الورقة إلى أن الموقف العربي ويتمثل في جوهره في بُعدين هما الموقف المصري والسعودي والبعد الثاني هو موقف محور المقاومة، ولا يبدو أن الموقفين المصري والسعودي سيمسّهما أي تغيّر جوهري، بينما قد يخبو دور محور المقاومة أو يبقى على حاله طبقاً للنتائج الميدانية في قطاع غزة.
وبالنسبة لدور إيران وتركيا، أشارت الورقة إلى أن كلا البلدين سيعملان على البقاء على موقفهما، وهو التأييد العلني للحقوق الفلسطينية مع فارق أساسي هو استمرار الدعم الإيراني للمقاومة دون الدخول المباشر في أيّ مواجهة لاحقة، إلا إذا وقع تطور كبير يصيب إيران ذاتها، وأما تركيا فسياق سياستها لن يتجاوز حدود النقد العلني لسياسة الاحتلال، مع بقاء علاقاتها التجارية والسياسية معها دون تغيير عملي.
الصعيد الدولي
وعلى الصعيد الدولي، فأشارت الورقة إلى أن عملية طوفان الأقصى قد عزَّزت من القناعة بين القوى الكبرى خصوصاً الولايات المتحدة بضرورة إيجاد تسوية سلمية، ولعل حلّ الدولتين هو الحل الذي تؤيده أغلب دول العالم، وهو ما سيضع الاحتلال في موقف حرج وأمام خيارين إثنين، إما القبول بحل الدولتين، وقد تعمل على تكييفه بشكل يخدم أمنها، مع احتمال أن يفجر ذلك صراعاً بين القوى السياسية في داخلها، وقد يصل إلى قدر من العنف، أو أنها قد ترفض حلّ الدولتين وهو ما سيزيد من تقلص مساحة التأييد الشعبي والدولي لـلاحتلال، وسيضع الدول العربية التي تُطبِّع معها في موقف أكثر حرجاً، وبالتالي ستزداد ظاهرة انتقال إدارة الصراع من يد الدول إلى يد الحركات المسلحة.
وبناء على هذه التداعيات، رأى د. وليد عبد الحي أن النتائج المباشرة لمعركة طوفان الأقصى تؤسس خلال العامين القادمين لما بعدهما، أي أن نتائج المعركة العسكرية والإدارة العقلانية من طرف المقاومة للصراع للمرحلة المباشرة بعد وقف القتال سيبقى هو الطاغي في العامين القادمين، ولكي يعود القطاع إلى حياته الطبيعية على أقل تقدير، فإن الأمر قد يستغرق أكثر من العامين القادمين.
المصدر: سند