يعتبر “حليب الدجاج” واحداً من المشروبات التقليدية التي تشتهر بها منطقة غرداية جنوبي الجزائر، حيث يتمركز المجتمع الميزابي الذي يعد من أنشط المجتمعات وأكثرها ابتكاراً.
ومن يزور مدينة غرداية لا يمكنه إلا أن يحط الرحال عند أحد المحلات المختصة في بيع المشروبات والعصائر الطبيعية، ليتذوق مشروب “حليب الدجاج” ذائع الصيت هناك.
واشتهر هذا العصير في ثمانينيات القرن الماضي، وانتشر انتشاراً كبيراً في الأوساط الشابة، ويصنف “حليب الدجاج” لدى سكان مدينة غرداية كمشروب طاقة، حيث يحضر بعناية، ويصف السكان المحليون مذاقه بالمختلف عن أي عصير طبيعي آخر.
العصير الممنوع
“ممنوع على النساء”، هو عنوان فرعي في قصة هذا المشروب الذي يعتبر “تابو” (محظور) بعض الأسر بمنطقة غرداية، يقول حمو طالب (25 سنة) لـ”الجزيرة نت” “لا يمكن أن أبوح وسط أهلي بأنني احتسيت كأس حليب الدجاج، إذ يعتبر ذلك خروجاً عن الحياء”.
ولا يعتبر مشروب “حليب الدجاج” عصيراً “عائليا”، فهو لا يحضر في المنازل للغاية البائنة من أخذه، بل تتخصص المحلات في تحضيره وتقديمه للشباب الذين يصطفون للظفر بكأس منه، ويتراوح سعر الكأس بين 2.5 و5 دولارات حسب جودة مكوناته.
وفي المجتمع الميزابي يمنع على النساء “عرفا” تناول هذا العصير الرجالي بامتياز ولا تذكره النسوة حتى في جلساتهن.
مشروب ليلي
يعد “حليب الدجاج” مشروبا ليلياً، حتى إن المحلات المختصة بتقديمه لا تبدأ تحضيره إلا مساء، يقول بكير (47 عاما)، وهو صاحب محل يقدم هذا العصير، “لا طلب على المشروب في النهار، ولا تسمح مكوناته بتقديمه نهارا”.
ويصل مريدو هذا العصير حد “الإدمان”، الذي يصفه بكير ” بـ”الصحي”، مشيراً لـ”الجزيرة نت” إلى “أن يدمن الرجال على مثل هذه الأغذية أفضل من تعودهم على السجائر أو عادات مضرة بالصحة”.
وتعود وصفة “حليب الدجاج” للراحل حمو عطفاوي، الذي استلهمها من أحد الخلطات الفرنسية، فنزع منها بعض المكونات (كالكحول) وأضاف لها أعشاباً لتخرج تركيبه فريدة من نوعها.
مكونات “حليب الدجاج”
ويتكون “حليب الدجاج”، أو كما هو معروف في المنطقة باسم “le lait de poule”، من مكونات بسيطة بحسب عطفاوي الابن، إذ يخلط صفار البيض الطازج بكأس من حليب البقر، ويمزج الخليط السابق بحبة موز ومجموعة من المكسرات، إلى جانب أعشاب ومكونات سرية لا يفصح عنها أصحاب “الصنعة”.
و”حليب الدجاج” نوعان، الأول وهو العادي يقدم بالمكونات السابقة، أما الثاني فهو بأجود أنواع العسل الحر تحديدا “عسل السدر” ويسمى بـ”الملكي”، وتختلف الأسعار حسب جودة المكونات، كما أن مذاق المشروب ليس بالحلو.
مشروب المشاهير
ويؤكد بكير أن محله لطالما كان مزاراً لشخصيات وازنة ومشاهير، يقول إن والي العاصمة السابق عبد القادر زوخ مثلا كان لا يضيع فرصة إلا وحط رحاله بأحد المحلات الموجودة بالجزائر العاصمة ليتناول نصيبه منه.
“وغير زوخ شخصيات كثر قد يثير ذكرهم في هذا المقام حفيظتهم” يقول بكير، “ففي محلاتنا لا نلتقط صور المشاهير الذين يزوروننا، عكس بعض المحلات الأخرى، رغم أننا مقصدهم بشكل شبه يومي”.
ويعد قوام هذا العصير مثل الحليب الرائب، ويتنافس بعض الشباب من باب المزاح على من يستطيع إكمال كأسه لتركيزه العالي وسعراته الحرارية المرتفعة، ويصف أيوب شعوره بعد شربه قائلاً “وكأن موجة حر أصابت رأسي”.
وحسب العادة يظفر من ينهي كأسه بشربة -كهدية من المحل- من عصير “تيكروايت”، وهو مشروب محلي أيضا يختم به الزبون سهرته عائدًا لأسرته، كاتما سر نضارة بشرته.