الأخبار

المقدسي رمزي الجعبة يكسر قيد حبسه المنزلي بمشروعه الخاص

جرت العادة أن تكون الغربة مرتبطة في البعد عن الأوطان، فتلك أولى قواعد الاغتراب منذ الأزل، لكنها في مدينة القدس قد تكون مختلفة عن ذلك.

ففي القدس، للغربة مفهوم آخر، عندما يتحوّل مسكنك لسجن لك، وينقلب شعورك بالحرية في وطنك لاغتراب وضيق، ويصبح الوطن منفى؛ جرّاء قرارات الإبعاد عن المنزل والحبس المنزلي التي تنهال على المقدسيين، في محاولة من الاحتلال لإبعادهم “جسدًا” عن مدينتهم، لكنه يجهل أنهم كلما ابتعدوا ازدادوا حبًا وارتباطًا بها.

ولولا فسحة الأمل بوطن حر، لاستحالت الأحلام، فبعزيمة وإصرار على تحدي قرارات الاحتلال، حوّل الشاب المقدسي رمزي الجعبة (26 عاما)، محنة إبعاده عن منزله وحبسه منزليًا في بيت جده، لمنحة يُفشل بها مُراد الاحتلال، بعد أن فقد عمله على إثر القرار.

يقول “الجعبة”: “كانت مهنتي الثانية بجانب عملي في التصوير الطبي، هي تصوير المنتجات والأطعمة فقررت استثمارها، والبدء بمشروع تصوير المنتجات في منزلي”.

ومنذ 7 أشهر، تم إبعاد الشاب “الجعبة” عن منزله في مخيم شعفاط في القدس، ليقضي فترة حبسه في منزل جده ببلدة العيساوية وثم في بيت حنينا.

ويتابع: “حولتُ منزلي إلى استوديو للتصوير الإعلاني، لأملأ الفراغ الذي يهمين عليّ طوال اليوم وأقضي الباقي من وقتي مع طفليّ”.

وتعاون “الجعبة” مع 4 شركات لتسويق منتجاتها في السوق، في وقت تابع فيه تنمية موهبته عن طريق الاتجاه لتعلم التصوير عن طريق الإنترنت وشراء معدات تساعده على إنتاج الصورة بأكمل وجه.

ولاقى “الجعبة”، قبولا وتشجيعا من المقربين حوله، ويقول: “حازت أعمالي قبولا من العائلة والمقربين من حولي، وإضافة لتصوير أعمال لـ 4 مشاريع، فأنا قربت بصورتي عبر الهاتف صورة المنتج لواقعه الحقيقي”.

حاولت سلطات الاحتلال تشويه سمعة الشاب المقدسي باتهامه بالتحرش بالمرضى خلال عمله بالتصوير الطبي، وعن ذلك يحدثنا: “حاول الاحتلال من خلال بث منشورات عبر منصات التواصل الاجتماعي اتهامي بالتحرش بالمرضى وإلحاق الضرر بسمعتي، لكن أهالي القدس وقفوا لجانبي ودحضوا تلك الادعاءات”.

ويكمل: “هذا الأمر ساعد بتحويلي للحبس المنزلي بدلا من السجن داخل معتقلات الاحتلال حتى إكمال الإجراءات القانونية بحقي”.

ويقبع الشاب المقدسي تحت الحبس المنزلي من قبل سلطات الاحتلال، عبر وضع سوار إلكتروني في ساقه مع جهاز يتتبعها ليمنعه من مغادرة منزله.

وبصوت يشوبه شعور الاغتراب قليلًا، يقول: “تمضي أيامي طويلة، أهاتف عائلتي مثل رجلٍ اغترب عن وطنه، لم تعد حياتي كما كانت سابقا، المنزل الذي يعني دفء العائلة والملجأ الآمن، تحول إلى سجن مظلم”.

إلا أن ما يزيد من ألم ضيفنا، هو عدم مقدرته تلبية أبسط متطلبات طفليه بالخروج في نزهة للحديقة، إضافة لهاجس العقوبات التي تنتظره وعائلته إذا ما خرق التعليمات القاسية المفروضة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

ويأتي قرار الإقامة الجبرية هذا بعد تعهد 3 كفلاء من عائلة الأسير بضمان عدم خروجه من المنزل، ويوضح: “كفلتني أمي واثنين من أخوالي، وفي حال عدم التزامي بشروط الحبس المنزلي يفرض الاحتلال غرامة مالية عليّ قد تصل إلى 5 آلاف شيكل”.

ويذكر أن كل هذه التعقيدات ما تسعى له سلطات الاحتلال حتى تثقل كاهل الشاب المقدسي، معبرًا: “لكني أواجه هذه التحديات بكثير من الصلابة والثبات”.

وبرتم بطيئ، تمر اللحظات على “رمزي” وهو على إحدى شرفات منزله يتأمل حركة المرور الرتيبة، ولا تسأل عن سعادته عندما يزوره أقربائه، في مشهد لا يختلف كثيرا عن زيارة الأهل لذويهم في سجون مشددة الحراسة.

ولا يقتصر الحبس المنزلي فقط على عدم خروج الشاب من منزله، لكن يصاحب ذلك الأمر على مرارته تغييرا كاملا في روتين عائلة الشاب أو العائلة التي تستضيفه من أقاربه.

ويسرد “الجعبة”: “بات أخوالي غير قادرين على أداء واجباتهم الاجتماعية كما في السابق، خاصة التي تتطلب منهم مغادرة البيت؛ وبذلك يصبح الحبس المنزلي بمثابة عقوبة مزدوجة للشاب وأسرته؛ تلك المفارقات المضحكة المبكية”.

ويكمل: “وبسبب مكوثي أولى فترات حبسي في بلدة العيساوية تشتت عائلتي الأمر الذي دفع والدي لاستئجار منزل بتكلفة عالية في بلدة بيت حنينا بالقدس، في حين أني أمتلك منزلا خاصا بي في مخيم شعفاط، الأمر الذي زاد العبء المالي على والدي”.

وفي الوقت الذي تبذل منظومة الاحتلال الكثير من طاقاتها في ابتكار إجراءات لاستنزاف طاقات الشعب الفلسطيني بكل أشكالها، يوجه “الجعبة” رسالة للمقدسيين فيقول: “الاحتلال يحاول يائسا تكريس احتلاله من خلال أساليبه لدفع الفلسطينيين للهجرة”.

ويختم: “المصير الحتمي لإجراءات الاحتلال، هو أنها تتهاوى أمام صمود الفلسطيني الذي يفهم أن معركته أمام الاحتلال هي معركة صبر ونفس طويل، وليست معركة بطش وقوة”.

وتصدر سلطات الاحتلال قرارات الحبس المنزلي بحق المقدسيين على اختلاف أعمارهم، حيث تطال المئات منهم سنويًا من بينهم أطفال.

زر الذهاب إلى الأعلى
تلفزيون المدينة

مجانى
عرض