فيلم “المكان” دقيقة ونصف في سرد رواية مصورة لحقيقة ما يجري في فلسطين عامة وحي الشيخ جراح خاصة.. عائلات تهجّر وتجبر على ترك منازل لها فيها ذكريات لا تنسى، هو سؤال “أهذا الحجر قضيتي؟”
يحكي الفيلم قصة صراع الوجود، ومحاولات طمسه، ناقلًا الصورة عبر مشاهد متتالية، يعبر عنها كل بطل من أبطال الفيلم بشخصية فرد من العائلة، تحكي الأم في أولاها عن الركن الأقرب إليها في البيت وهو المطبخ، وتقول “أكتر مكان بحبه بالدار مطبخي، لأنّا هون بنجتمع بنطبخ بناكل بنحكي، المطبخ عندنا مبهّر بالحُب”.
وفي خلفية حديثها، يعبث المستوطنون بأواني المطبخ ويدمرون ملامح المطبخ وأركانه ، وهي صورة سنراها في خلفية كل مشهد لكل فرد من أفراد العائلية.
ويتحدث الابن وهو يجلس في الصالة عن تعلقه بغرفة الجلوس ومشاغباته مع والدته فيها.
وتتابع المشاهد انتقالًا للابنة في غرفتها، وبين ألعابها التي قالت أنها تحبها لأنها هدايا قدمها والداها لها.
ويرمز الفيلم إلى ديمومة الصراع وحيويته، فهو صراع قائم ومستمر منذ الوجود الاستيطاني الأول في فلسطين، أجبر على إثره آلاف الفلسطينيين لترك منازلهم والمضي بحثًا عن مأوىً جديد، تنقل إليه الذكرى، وبساطة الأعمال والتفاصيل اليومية التي لا تؤذي إلا عدوٍ جبان.
إنه فيلم لا يُعنى بحشد تعاطف، ولا جمع تبرعات، بل هو عين على واقع فلسطيني مقدسي، تصدر عنه يوميًا آلاف الروايات الكاذبة والمضللة في الروايات الصهيونية العالمية .. وإننا لا نريد لقصصنا أن تصبح ملكًا لأعدائنا.
وقد أُنتج الفيلم في الذكرى ال74 للنكبة، بجهود فريق من الممثلين المتطوعين.. الذين لم يتقاضو أي أجر مقابله، وعلى رأسهم المخرج الفلسطيني عمر رمّال ابن محافظة سلفيت، صاحب فكرة “المكان”، وشاهد على حقيقتها.
يقول رمّال في حديث لـ “الجزيرة نت” إن فيلم “المكان” هو محاولة مبسّطة ليفهم العالم معنى مصادرة البيوت الفلسطينية واحتلالها منذ النكبة، وحتى ما يتعرض له المقدسيون في حي الشيخ جراح حاليا”.
ويتابع، “يجب أن يرى العالم عدالة قضيتنا من خلال حياتنا العادية التي يتم السطو عليها، وهذا الفيلم ليس من أجل كسب التعاطف، ولكن من أجل نشر الواقع كما هو”.
ويختتم الفيلم بمشهد للأب وهو يجلس في فناء البيت تظلّه الشجرة، “أكتر اشي بحبو هالدار هاي الشجرة، هاي الشجرة زرعها سيدي الله يرحمه أول ما عمّر الدار، وكان يحبها ويدير بالو عليها كإنها حد من ولادو، وهلأ زي ما انتو شايفين، قاعدين أنا والأهل تحتها”.. يقتحم المستوطنون المشهد، ويضربون الأب.. ثم تطال يد أحدهم عين الكاميرا، تغطيها فتحول سوادًا.
“إن القصص التي لا نرويها تصبح ملكًا لأعدائنا”، هكذا يقولها إبراهيم نصر الله، وكم تبدو الجملة حقيقية تستحق منا لحظة نقف عندها، لنستمر في رواية قصتنا الفلسطينية، ولتظل نار الحقيقة موقدة..
كتبت: سمية النجار