“العمرية”.. مدرسة تاريخية داخل الأقصى مهددة بالتهويد
على مساحة نحو ثمانية دونمات في الزاوية الشمالية الغربية من المسجد الأقصى المبارك، وعلى مقربة من باب الغوانمة، تقع المدرسة العمرية ذات الإطلالة الأجمل والأقرب للمسجد، والتي بات يتهددها خطر الإخلاء تمهيدًا لاستيلاء بلدية الاحتلال عليها بشكل كامل.
سميت المدرسة بالعمرية تيمنًا بالفتح العمري الأول للقدس على يد الخليفة عمر بن الخطاب، حيث جاء في بعض الروايات أنّه دخل إلى المسجد الأقصى من الجهة الشمالية بعدما عسكر الصحابة في سهل الساهرة، أي في باب الساهرة.
وتتكون المدرسة الأثرية التاريخية من عدة طبقات، الأولى تضم عدة أروقة وغرف تمتد تحت ساحات الأقصى وتصل إلى قبة الصخرة، والثانية تضم 25 غرفة وساحتين، أما الثالثة فتضم ثماني غرف وسطوح المدرسة.
وتشتمل المدرسة التي بُنيت في العهد المملوكي عام 1312م، على ثلاث مدارس وقفية إسلامية، هي: المحدثية، الجاولية، والصبيبية، وكانت تشكل مقرًا للمجلس الإسلامي ومزارًا لعلماء الأمة الإسلامية، إذ احتضنت طلبة العلم طيلة 800 عام.
ورغم أن المدرسة العمرية تُعد من أهم مدارس القدس وأقدمها، إلا أن سلطات الاحتلال استولت عليها عام 1967م، ووضعتها بشكل كامل تحت تصرف بلدية الاحتلال في القدس ووزارة المعارف الإسرائيلية، كما يؤكد رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث الشيخ ناجح بكيرات.
ويوضح بكيرات، أن المدرسة العمرية تتمتع بتاريخ عريق، وإطلالة جميلة على المسجد الأقصى مما جعلها محل أطماع سلطات الاحتلال التي عملت وما زالت على استهدافها ومحاولة تفريغها من الطلاب المقدسيين.
ويشير إلى أن بلدية الاحتلال وضعت يدها على المدرسة، وعينت طاقمًا تعليميًا يتبع إليها ولوزارة المعارف الإسرائيلية، ويومًا بعد يوم بدأت تزداد محاولاتها الحثيثة للسيطرة على كل شيء داخلها، حتى أصبحت المدرسة خارج نطاق مدارس دائرة الأوقاف الإسلامية.
ويضيف أن الاحتلال عمل على صيانة الطابق الأرضي لطلاب المدرسة، فيما بقيت الطوابق العلوية مُهملة، وحاول أن يجعلها مقرًا له، إلا أن الأوقاف رفضت ذلك، باعتبارها وقفًا إسلاميًا تابعًا لها.
لكن في العام 1996، تفجر الوضع بعدما فتحت سلطات الاحتلال بوابة للنفق أسفل المدرسة العمرية تمامًا، يربط شارع الآلام بحائط البراق، والذي اندلعت على إثره “هبة النفق”.
ويلفت بكيرات إلى أن الأوقاف في العام 2000، عملت على إصلاح غرف المدرسة العمرية، لكن بلدية الاحتلال بدأت يومًا بعد يوم تخطط لإضعاف المدرسة وتفريغها من الطلاب.
وتسعى وزارة المعارف الاحتلالية اليوم، إلى نقل طلبة المدرسة الذكور إلى مدرسة المولوية للإناث قرب باب الساهرة بالبلدة القديمة، ودمج الجنسين في مبنى واحد، في خطوة خطيرة تُمهد لإخلاء مبنى المدرسة والسيطرة عليها بالكامل.
واحتجاجًا على ذلك، نظم الأهالي ولجنة أولياء الأمور في مدرستي العمرية والمولوية عدة اعتصامات في القدس، رفضًا لقرار بلدية الاحتلال دمج المدرستين، وتنديدًا بسياسة الإهمال والتفريغ.
ويقول رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث، إن بلدية الاحتلال تحاول الاستفادة من الطوابق العلوية لتحويلها إلى مكان لرصد المسجد الأقصى وساحاته.
ويؤكد بكيرات أن كل إجراءات الاحتلال باطلة ومرفوضة، كونها تمهد لاستخدام هذه المدرسة التي خرجت أجيالًا كثيرة، لأغراض أخرى، مطالبًا في الوقت نفسه، بأن تعود المدرسة للأوقاف ملكيةً وإشرافًا.
أما الناطق الإعلامي باسم اتحاد لجان أولياء الأمور بالقدس رمضان طه فيقول إن مدارس البلدة القديمة تتعرض لمخطط إسرائيلي قديم جديد يستهدف تفريغها من طلابها، استكمالًا لعملية السيطرة والتغيير الديمغرافي والطبوغرافي في البلدة.
ويوضح طه، في حديث له، أن الاحتلال يسعى إلى دمج طلاب المدرسة العمرية مع المدرسة المولوية، ونقل طلاب المدرسة القادسية إلى العمرية كمرحلة مؤقتة، تمهيدًا لإغلاق هذه المدارس، ولرفدها بالمدارس التي تُدرس المنهاج الإسرائيلي خارج أسوار البلدة القديمة.
ويبين أن الادعاءات والمسوغات التي يسوقها الاحتلال بأن أعداد الطلاب بهذه المدارس ليست كبيرة، والأولى أن يتم تحويلها لأغراض أخرى، تُثير مخاوف أهالي ولجان أولياء الأمور من تحقيق ذلك.
وقبل عامين، أغلق الاحتلال مدرسة القدس الإعدادية في باب الساهرة، وسعى للسيطرة عليها وتحويلها إلى مدرسة دينية للمستوطنين لكنه فشل، إلا أنه حاول قبل نحو 3 أشهر إقامة مركز تحقيق للشرطة داخل البلدة القديمة من أجل السيطرة ومراقبة كل شيء، وفشل أيضًا.
ويتابع طه أن الاحتلال يحاول اليوم التحايل أيضًا، على مدرسة القادسية لتحويلها إلى متحف إسرائيلي في البلدة، لكن هذا المخطط يهدف للسيطرة على المدرسة، لأن هناك شبكة أنفاق أسفل البلدة القديمة، وتحتها مداخل للوصول لحائط البراق وبابي العامود والخليل.
ويؤكد أن المقدسيين يسعون لمنع هذه الإجراءات، من خلال تنظيم الوقفات الاحتجاجية، رفضًا لدمج الطلاب في مدرستي العمرية والمولوية.
ويشير طه إلى أنهم بصدد القيام بتحركات في عدة جوانب قانونية وجماهيرية ومؤسساتية ودبلوماسية، داعيًا كل المسؤولين لأن يقفوا وقفة حقيقية للدفاع عن هذه المدارس، خوفًا من استيلاء الاحتلال عليها.