الكنار، الكروان، الحمامة، الحمامتين، النعامة، الجمل وطيور أخرى.. وقد يكون اسم مكان مقدس( هار براخا-جبل البركة) هذه ليست إلا ماركات الطحينة التي تصنع في نابلس بالضفة الغربية.
ورغم أن أحدا لا يملك تفسيرا واضحاً، لماذا تحمل أصناف هذا المنتج المحلي أسماء طيور وحيوانات، إلا أن الطحينة ظلت واحدة من المنتجات التي صمدت صناعتها على مدار عقود في ما يسمى بعاصمة فلسطين الاقتصادية.
واقفاً، أمام ماكنات تصنيع تعمل بالطاقة الكهربائية، يقول راغب العالول، وهو مدير احد المصانع التي تتخذ من أطراف البلدة القديمة مقرا لها منذ قرن ‘ الطحينة قصة تاريخ. الطحينة وجدت لتبقى’.
وواحدة من أهم ميزات نابلس، الصناعة بالوراثة.
وفي المدينة التي اشتهرت بصناعة الحلويات يمكن بسهولة اكتشاف ذلك، في المصانع التقليدية الصغيرة، اذ يرث الابن عن أبيه وجده المهنة.
قال المهندس إياد عنبتاوي وهو رئيس جمعية حماية المستهلك في نابلس’ هناك ارتباط عاطفي بين الصناع وبين الصنعة في نابلس.(…) الطحينة امتداد لتاريخ البلد وعائلاته’.
ويعمل العالول في المصنع منذ 40 عاما، لذلك كان شاهدا على مراحل التطور التي شهدتها هذه الصناعة.
وشهدت صناعات تقليدية كثيرة تطورا في الإنتاج، لكن العالول يقول، إن الطحينة بالذات ظلت كما هي..’ذات الطعم والشكل والماركة(…). ما تطور هي المكنات’.
وقال عنبتاوي’ مثلما اشتهرت المدينة بالكنافة والحلاوة، اشتهرت ايضا بصناعة الطحينية’.
يقول عمال يجهدون في تنظيف ما علق من شوائب ببذور السمسم قبل طحنه، ويعمل بعضهم منذ أربعة عقود في المصنع، إنهم يستطيعون إنتاج الطحينة مثلما كان ينتجها أجدادهم تماما.
وتطورت خطوط الإنتاج من استخدام النار والخيل إلى الكازولين الأبيض، حتى دخول الكهرباء.
لبعض الصناعات في نابلس سر. وغالبا ما يكتم الصناع المهرة هذا سر.
محلات البناوبعض مصانع الحلوى والمواد التي تدخل في الصناعات الغذائية اليومية تأسست قبل عقود طويلة.
ذاتهم آل العالول أسسوا مصنعهم بعد الحرب العالمية الثانية في مكان استخدم ثكنة للقوات العثمانية بعد انهيارها.
قال العالول: هذا هو المكان الأول للمصنع، لم يتغير شيء، بدأت العائلة العمل هنا في صناعة الطحينة والصابون ومازالت بعد مئة عام تعمل هنا.
ويظهر الجانب الإداري من المصنع محدثا، لكن المصنع ذاته يحمل لمسات الماضي، لذلك عندما جاء مستوردون يابانيون لاكتشاف أين وكيف تصنع هذه المادة، ذهلوا.
“الطحينة الجيدة تصنع في مصانع نابلس القديمة” قال العالول.
ويمكن القول إن الطحينة تدخل في تحضير نحو 30 صنفا من المأكولات يعرفها سكان المدينة..أهمها الحمص، الوجبة الصباحية اليومية في نابلس.
وتظهر كميات من قشرة السمسم تطفو في عبوات معدنية كبيرة بعد غسلها توطئة لطحنها. ويتحلق حول عبوات أخرى عمال آخرون يساعدون في تجهيز مراحل أخرى من الصناعة.
وقال مازن التمام وهو عامل محترف يعمل في المصنع منذ أربعين عاما’ نستخدم يوميا نحو نصف طن من الملح لتنقية السمسم من الشوائب. (…). أي عامل هنا يستطيع أن يقوم بأي مهمة في أي مرحلة من مراحل الإنتاج’.
ويستطيع أي عامل من العمال الخمسة الذين يقومون بمراحل الإنتاج من ألفها إلى يائها أن يشرح ببساطة كيف تنتج مادة الطحينة.
وتظهر عبوات مختلفة الأحجام عبئت مسبقا بالطحينة توطئة لتوريدها للأسواق. وارتفعت نسبة الإنتاج بعد دخول الآلات جديدة استقدمت منذ ثلاثة عقود من ألمانيا، لكن في نابلس، تصنع الآن ماكنات تصنيع الطحينة شبيهة بتلك المستوردة من ألمانيا.
‘ كان العمال قبل ذلك يبذلون جهودا كبيرة لإنتاج عبوتين طحينية، وزن الواحدة 18 كغم، لكن الآن خط الإنتاج مفتوح. نستطيع ان ننتج150 عبوة يوميا. لا حدود للإنتاج’ قال العالول.
لكن دخول التكنولوجيا الحديثة ظل بعيدا عن صناعات تقليدية اشتهرت بها المدينة مثل الصابون الذي ما زالت مصانعه تعمل بنفس الالية تقريبا التي تعمل بها منذ عشرات السنين.
قال العالول’ عندما أحضرنا ماكنات لم يتغير الطعم ولا اللون(…). الذي تغير أن ضجيج الماكنات القديمة اختفى. اسمع. كل شيء هادئ’.ويسود هدوء اركان المصنع، إلا من صوت العمال الذين يتبادلون النكات أحيانا.
المصدر: جميل ضبابات – وكالة وفا