الشهيد محمد خبيصة.. مقاومٌ عنيد
كلماته الأخيرة ظلّت حتى أبقاها الزمن، وصارت واقعًا أبديًا، في عرس شهادة اشتاق له، وطلبه قولًا وفعلًا حتى ناله جمعة الـ24 من سبتمبر/2021.
على قمة جبل صبيح في بيتا، ومن أقرب نقطة مواجهة مع الجنود، ظل الشهيد محمد خبيصة منذ أول رشقة حجر حاضرًا في معركة الجبل، مقاتلًا باسلًا عن أرضه حتى ارتقى فيها شهيدًا، ورواها بدم عُبّق حبًا ووطنية.
صاحبه في المواجهة الحرة، يقول”قبيل استشهاده، حذّرته أن أحد الجنود القناصة يخطط لمشروع قتل، ليرد عليه خبيصة بأنه سيكون مشروع شهادة”.
يتابع رفيقه في حديثه بحسب أحد الرواة لـ”تلفزيون المدينة”، أنه أدار ظهره ليحضر طعامًا للشباب مما تعده سيدات بيتا، وبعدها بلحظات سمع صوت طلق رصاص حي، فعاد مسرعًا، لكنه لم يعرف خبيصة إلا من ملابسه، فالرأس قسم نصفين، وتلاشى أجزاءً يصعب جمعها.
أما والدة خبيصة، تعرفها بالصلابة والدمعة، ظهرت وفي حضنها طفلة محمد الرضيعة “غزل”، 8أشهر في كنف والدها وعمرًا مؤجلًا دونه، تقول لـ”تلفزيون المدينة” إنها استشعرت في قلبها منذ اللحظة التي سمعت بها دوي سيارة الإسعاف أن شهيدًا من خصاص القلب ارتقى، ليصلها لاحقًا نبأ محمد.
“حسرتي على مرته وبنته”
عريس لم يهنأ بعد بزوجه وبيته وابنته، ودعهم عريسًا خالدًا في جنان الله، لكن حسرة فراقه ستظل أبدية حتى يحل موعد اللقاء المؤجل”.
والدته في كلمتها تضيف لـ”تلفزيون المدينة”، “لدي أربعة أبناء لم أمنع واحدًا منهم عن أجر جهاده، ولم أثن منهم العزم، لكني أوصيتهم دومًا بالحذر من قناصة غادرة، تقنص قلبي بعيار لا ينطفئ”.
أما والده، فبالدمعة تلقى شهادته، فابنه الشاب وعماد من أعمدة البيت فقد بلا عودة، وسيمضي في غيابه حتى تجتمع العائلة على شرف شهادته في جنة واسعة.
ويقول” تلقيت اتصالات عدة في وقت قصير وجميعها تسأل عن حال محمد، فأدركت أن أمراً ما قد حصل، لكنني لم اتخيل أن يكون قد استشهد.
ويضيف: “فقدان محمد أمر صعب جدا، فهو ابني الكبير وأول فرحتي، وأفخر أن محمدآً مقاوم عنيد لا يخاف”.
وتداولت مواقع التواصل صورة تجمع والد الشهيد زكريا حمايل، وهو يضم والد خبيصة في ألمه ودمعته ولا شكّ فخره.
وفي درب الشهادة، مضى محمد قمرًا ثامنًا من أقمار بيتا، منذ بدء عدوان المستوطنين على جبل صبيح في مايو وحتى اليوم.
وهذه ليست المرة الأولى التي يطلق الاحتلال النار عليه، فقبل أربعة عشر يوماً من استشهاده، أصيب خبيصة برصاصة مغلفة بالمطاط في رأسه من مسافة قريبة جدا، خلال المواجهات على الجبل.
ومنذ بدء أعمال البناء في بؤرة “أفيتار”، مطلع مايو الماضي، في أراضي جبل صبيح، شرع أهالي البلدة في سلسلة فعاليات متدحرجة لاقتلاع هذه البؤرة من أراضيهم، وطرد المستوطنين، بدءاً بالمواجهات الأسبوعية، ثم ما لبثت أن تطوّرت بصورة متسارعة، إلى أن وصلت إلى الإرباك الليلي، والتي حققت نتائج ملموسة على الأرض.
وشيعت بيتا ثمانية شهداء ارتقوا خلال المواجهات مع الاحتلال على جبل صبيح منذ مطلع مايو/ أيار الماضي، وهم الشهيد عماد دويكات، وشادي الشرفا، وأحمد بني شمسة، ومحمد سعيد حمايل، وزكريا حمايل وعيسى برهم، إضافة إلى الشهيد طارق صنوبر من قرية يتما.
ومع استمرار المواجهات، تصر بيتا شهيدًا بعد آخر على إثبات أن في الأرض متسع لشهيد آخر، حتى يتحقق النصر للجبل، وتحرر البقعة من دنس مغتصبيها.
كتبت: سمية النجار
تحرير: ساجدة بني شمسة