أنتج المخرج الفلسطيني إبراهيم سرحان عام 1935 فيلما وثائقيا صامتا عن زيارة الملك سعود؛ مؤسس المملكة العربية السعودية إلى يافا والقدس في فلسطين التي استقبله فيها الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس آنذاك.
كما أنتج المخرج الفلسطيني محمد صالح الكيالي مجموعة من الأفلام القصيرة عن الحياة في فلسطين؛ أبرزها صناعة النسيج والحديد في المجدل، وزراعة البرتقال في يافا، وكانت تعرض في استراحات الأفلام بدور السينما، إضافة إلى قدرته على صناعة “الموفيولا”؛ وهي آلة إنتاج سينمائي، اشتهرت في أربعينيات القرن الماضي.
عرفنا هذه المعلومات من وزير الثقافة الفلسطيني الدكتور عاطف أبو سيف الذي حدثنا أيضا عن المخرج الفلسطيني صلاح الدين بدر خان، الذي أخرج فيلمين قبل النكبة؛ أولهما “حلم ليلة” عام 1946 وفيلم “أمنيتي” عام 1947، وكانا فيلمين دراميين عرضا في دور السينما الفلسطينية والمصرية.
مغناطيس ثقافة
يقول أبو سيف لـ”الجزيرة نت” إن فلسطين كانت مغناطيسا للجذب الثقافي في الوطن العربي، ووجد ذلك من خلال وثائق تم العثور عليها لعقود واتفاقيات للعرض السينمائي، وتم نقل هذه الوثائق إلى الأرشيف الوطني.
ففي فلسطين كان هناك دور سينما صيفية، وكذلك سينما جوالة. الصيفية كانت تعرض في ساحات المدن الرئيسية بالهواء الطلق، أما الجوالة فكانت من خلال سيارات تتجول في المدن والقرى وتعرض أفلام مختلفة، أبرزها ما يخص حياة الفلاحين وكانت ذات طابع توجيهي توعوي.
كما كانت فلسطين منطقة جذب ثقافي، أشبه بالمغناطيس للجذب الثقافي كما وصف أبو سيف، وظهرت فيها السينما مبكرا مقارنة بالمدن العربية الأخرى، وينسب للمخرجين إبراهيم وبدر لاما أنهما أول فلسطينيين أنتجا فلما عربيا، وهو “فيلة في الصحراء” عام 1927.
أفلام عربية في فلسطين
كما كانت الثقافة السينمائية جزءا من الحياة العامة، وكان شائعا في فلسطين أن يذهب العامة خلال العطل إلى السينما وخاصة فترة المساء، وكان شائعا أيضا -حسب أبو سيف- أن يذهب تلاميذ المدارس ضمن رحل تثقيفية إلى السينما.
وكان يعتبر عرض الأفلام المصرية في القدس ويافا جزءا من ترويج الفيلم وعلامة على نجاحه، وكان يسعى كبار الفنانين العرب إلى حضور العروض الافتتاحية لأفلامهم وخاصة في يافا، كما أن الصحافة الفلسطينية كانت تضم زوايا وأماكن عرض وترويج لها، بجانب انتشار المقالات النقدية عن الأفلام، حسب وزير الثقافة الفلسطيني.
واستطاع الأرشيف الوطني الفلسطيني أن يحصل على عديد من الوثائق التي تظهر الفعاليات الثقافية والإنتاج السينمائي الفلسطيني، وتقوم بإعادة فرز وتبويب هذه الوثائق والمواد المرئية، وستعرضها إلى وسائل الإعلام لاحقا.
يقول فواز سلامة -المدير العام للأرشيف الوطني الفلسطيني- إن الأرشيف في كل دول العالم هو الذاكرة التاريخية الإدارية التي تحفظ بشكل علمي، من خلال وثائق المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.
أرشيف منهوب
وهناك كم ضخم من الوثائق التي بدأ العمل فيها عندما أنشئت السلطة الفلسطينية عام 1994، ولكن هناك عدم دراية في عملية الأرشفة وتنظيمها، وهو ما سبب ضياع كثير من الوثائق المهمة، وهناك اتصالات دولية لجمع الأرشيف الفلسطيني الموجود في الدول العربية والإسلامية.
ويقول سلامة لـ”الجزيرة نت” إن مشكلة الأرشيف الفلسطيني أنه غير مكتمل، وغير متسلسل تاريخيا ولا يغطي مراحل تاريخية بشكل كامل خلال زمن محدد، وهناك محاولات دائمة للحصول على الوثائق خلال الانتداب البريطاني، والتي تظهر إثباتا واضحا أن هناك حقا تاريخيا فلسطينيا في الأرض الفلسطينية، ليس سياسيا فقط بل في كل المجالات.
وهناك مطالبات من المجلس الدولي للأرشيف لاستعادة الأرشيفات المنهوبة من فلسطين وخاصة البريطانية، ويوجد تعنت من الدول -وخاصة الغربية- في تسليم الأرشيف الفلسطيني، كما أن هناك كمًّا هائلا من الخرائط والوثائق العثمانية والمقتنيات والمخطوطات في كل المجالات لم ترجع إلى فلسطين، إضافة إلى أرشيفات مسروقة من الإسرائيليين كما حدث في الاجتياح عام 2002، ومنها مواد بصرية وصناعية ووثائقية وغيرها.
مواجهة الرواية الصهيونية
يؤكد سلامة أن الاحتلال الإسرائيلي اعترف بأنه حصل على آلاف الوثائق، وتم مطالبته بإعادتها إلا أنه ربط ذلك بعودة المفاوضات.
كما أن مشكلة الأرشيف الفلسطيني -حسب سلامة- أنه لا يوجد قانون واضح يسمح للأرشيف الوطني باستعادة الأرشيف، عدا أن هناك العديد من الأفراد والمؤسسات التي تعمل في ذات المجال وبشكل متشتت، وهناك اتصالات مع هذه الجهات ليكون العمل جماعيا.
ينهي سلامة حديثه بالقول، إنه لا توجد منصة تقدم المعلومات من أجل الاستفادة منها لتكون هي الأصل في مواجهة الرواية الصهيونية، لأن الوثائق قوة الحق التي تظهر الشعب الفلسطيني كيف كان يمارس حياته المنظمة لفترات زمنية طويلة، ويظهر كيف عاش هذا الشعب على أرضه في مراحل حساسة جدا، ويظهر نشاطه الاقتصادي والثقافي والسياسي، الذي كان مميزا بوجود كتب ومكتبات وهواة وإنجازات أدبية وعلمية تظهره وتثبته الوثائق آنذاك.