لطالما كان الفن واحدًا من أبرز أشكال المقاومة في الثقافات على اختلافها، فالشعوب تفعّل ذائقتها الفنية في مقاومة الاستعمار والاستبداد بكافة أشكاله، وتعبّر عن مشاعرها من خلاله.
ليس بالفن وحسب، بل بالتراث أيضاً، حيث يعمل التراث كواحدٍ من الأدوات التعبيرية شديدة البلاغة، ويعبر عن حالة شعب وحالات فردية تمثّل صور البلاد.
ويعتبر الحناء من التقاليد الشائعة في المنطقة العربية، وهي صبغة محضّرة من شجرة الحنّاء ، وشجرة “mignonette”.
وبصرف النظر عن استخدامه التاريخي كشكل من أشكال فن الجسد المستخدم لتزيين أيدي وأقدام النساء خلال الأعياد والاحتفالات الاجتماعية منذ أواخر العصر البرونزي في شرق البحر الأبيض المتوسط، فإنها تستخدم أيضًا كشكل من أشكال صبغة الشعر، ومؤخرًا كبديل مؤقت لقلم الحواجب أو حتى كتطريز للحاجب – مثل الوشم المؤقت.
وشاع في المنطقة العربية التخضب بالحناء تعبيرًا عن الفرح، وكانت تزين به أكف العرسان، إلا أن له استخدامات أخرى تحمل رمزية وأبعادًا مؤثرة.
وفي فلسطين، خضّب شهيدا ثورة البراق عام 1930، عطا الزير ومحمد جمجوم كفيهما قبل أن يتم إعدامهما من قبل الإنجليز، مستعيرين مشهد الفرح وليلة الحناء في عرس الشهادة.
وفي سوريا، وخلال أحداث الثورة السورية ودّعت أمهات شهداء درعا أبناءهن بالحناء عام 2012.
وعمل الحناء في المغرب كشهادة على وصمة عارٍ ارتبطت بالمتخلفين عن مواجهة الفرنسيين، حيث لطّخت نساء الأمازيغ جلابيب المتخلفين عن معركة بوغافر عام 1933، ليعرفوا بعد المعركة.
وذكَر المناضل الجزائري رابح مشحود في مذكراته، أن بعض المطاردين الجزائريين كانوا يتنكرون بتخضيب أكفّهم كاملةً بالحناء لإيهام المستعمرين بأنهم نساء، وفي ثورة التحرير الجزائرية اعتزلت النساء الحناء حتى عودة أحبتهن.
وأخيرًا في السودان، حيث دعت النساء إلى مقاطعة الحناء تضامنًا مع أمهات الشهداء عام 2019، تعبيرًا عن الحداد والحزن.
ويتعهد اللاجئون الفلسطينيون بأن يخضبوا جدران بيوتهم المغتصبة حين يعودوا، مدندنين “والله يا دار لو عدنا كما كنّا.. لأطليك يا دار بعد الطوب بالحنا”.
كتبت: سُميّة النجّار