خلال أقل من أسبوعين أعادت سلطات الاحتلال اعتقال الأسرى الفلسطينيين الستة الذين نجحوا في انتزاع حريتهم بالفرار من سجن جلبوع في السادس من سبتمبر/أيلول الجاري.
يطرح الهروب -الذي لم يدم طويلاً- أسئلةً كثيرة حول أسباب إعادة اعتقال هؤلاء الأسرى وعدم مكوثهم مدة أطول في فضاء الحرية، لتأتي الإجابة متعلقة بتأثير التتبع التكنولوجي، فضلا عن عدم إلمامهم المعرفي بالواقع من جهة ثانية، وافتقادهم للحاضنة الشعبية على الأرض بسبب عدم القدرة على التنسيق من داخل السجن، حسب ما أفاد به قيادي في حركة الجهاد الإسلامي إضافة إلى مختَصَيْن في حديثهم لـ”الجزيرة نت”.
استعجال الحرية
يشير خضر عدنان -الأسير السابق والقيادي في حركة الجهاد الإسلامي التي ينتمي إليها 5 من الأسرى الفارين- إلى “استعجال” الفرار بعد شعورهم بكشف خطتهم “مما جعل خطة الهروب غير محكمة”.
وينسب عدنان -في حديثه لـ”الجزيرة نت” قول الأسرى الأربعة المعتقلين سابقاً لمحاميهم إن عملية التحرر لم تكن في اليوم المخطط له، ويتابع “ربما كان هناك تجهُّز ما، لدى الإخوة وأن يكون هناك من يساعدهم في الخارج، لكن هذا التجهيز لم يحصل كما يريد الأسرى الستة”.
ويرى أن الخطوة جاءت أسرع من الوقت الذي كان مقرراً بسبب تفتيشات داخل السجن، وهو ما جعل الأسرى يستشعرون أن الأمور اقتربت من الانكشاف.
ويشير عدنان إلى دور أدوات الترقب والرصد والتجسس والعنصر البشري والعملاء وغيرهم من أدوات الاستخبارات، فضلاً عن “الحجم الكبير للعنصر البشري، وجيش الاحتلال، وكل الأذرع العسكرية في ملاحقة الإخوة الستة.
ويقول إن تعقب استخبارات الاحتلال للأسيرين أيهم كممجي ومناضل نفيعات في جنين استمر حتى لحظة الصفر وخلال التنقل من منطقة إلى أخرى.
ويضيف أن “بعض الأسرى أمضوا فترة طويلة في السجن، ولا يعرفون حجم التطور الذي وصلت إليه التكنولوجيا، كما اختلفت الشوارع والطرقات التي كانوا يعرفونها، ومعظمهم اعتقل قبل أن يقام الجدار العازل”.
ويقول خضر عدنان إن “غياب العمق الجغرافي في الضفة، والملاحقة الشديدة في الداخل عجلا من اعتقال الأسرى”.
وأخيراً يلفت القيادي في حركة الجهاد الإسلامي إلى “تأثير التنسيق الأمني بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية، وتغيير وتقاعد العديد من العناصر الأمنية التي كانت بمثابة حاضنة للمقاومة”.
التتبع والكاميرات
يقول أسامة شاهين، وهو أسير مفرج عنه مؤخراً وباحث في قضايا الأسرى، إن التكنولوجيا أكبر عامل ساعد في سرعة اعتقال الأسرى وتحديداً انتشار الكاميرات، وحديث بعض الأسرى هاتفياً مع ذويهم.
ويضيف “التكنولوجيا اليوم أصبحت فوق التصور، وهذا الواقع لا يدركه أسرى عاشوا سنوات طويلة في السجون الإسرائيلية”.
ويقول شاهين إن المخابرات “الإسرائيلية” أصبحت تعتمد على وسائل متقدمة في رصد الحركة والتتبع، مستشهداً بأسير عايشه داخل السجن -فضل عدم ذكر اسمه- وجد أمامه في التحقيق تسجيلاً مصوراً كاملاً لفعل مقاوم قام بتنفيذه بدءا من مغادرته منزله وحتى عودته إليه.
ولا يستبعد شاهين أن يكون بعض الأسرى قد أخذوا احتياطاتهم قبيل الفرار، لكنه يلفت إلى فرق شاسع بين معرفة الأسرى والواقع على الأرض خارج السجن.
ويوضح أكثر بقوله “الأسير الذي اعتقل قبل 20 عاما يكاد لا يعرف شيئا عن التغييرات الهائلة في الواقع؛ هناك انتشار كبير جداً للكاميرات في السماء، وعلى مفترقات الطرق والشوارع، وبإمكانها تتبع كل صغيرة وكبيرة”.
مع أن “معلومات بشرية” ساعدت في التعرف على بعض الأسرى وتحديد مكان وجودهم، خاصة مع نشر صورهم، فإن عملية اعتقال الأسيرين محمد العارضة وزكريا الزبيدي في مرآب للشاحنات كانت أشبه بصدفة عندما أدخل جندي يده أسفل شاحنة فأمسكت بيد أحدهما، وفق شاهين.
أشار شاهين إلى عامل آخر “مهم” وهو الانقطاع في الاتصال، فرغم نجاح الأسرى الستة في تحرير أنفسهم، فإنه لم يكن لديهم اتصال مع الخارج يؤمن لهم فراراً آمنا بالكامل.
وعن دور التنظيمات الفلسطينية في حماية الأسرى الفارين قال إن “التنظيمات في الضفة الغربية في حالة هشة جدا، وتجري محاربتها من السلطة الفلسطينية”.
غياب الحاضنة الشعبية
في السياق نفسه، تطرق اللواء الفلسطيني المتقاعد يوسف الشرقاوي إلى “غياب الحاضنة الشعبية للمقاومة والمقاومين سواء في الضفة الغربية أو مناطق 48”. ويضيف قائلا: “التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ضرب حاضنة المقاومة”.
ولا يرى الشرقاوي أي خطأ من جانب الأسرى الستة، لكنه لا يستبعد خللاً في تقدير الموقف “كان يفترض وجود سيارة تنقلهم فور خروجهم من فوهة النفق إلى مناطق آمنة، وهذا لم يتحقق؛ لأن ظروف السجن لا تسمح بذلك”.
ومع ذلك، يقول الشرقاوي إن ما تحقق “لا يقلل من عملهم” ويرى وجوب “المحافظة على تجربة الانتصار وألا يكسر الأسرى مطلقاً”.