إذا شاهدت حادثاً مروعاً على الطريق يقع أمام عينيك، فهل تهرع إلى المساعدة أم تصوّر الحادث بكاميرا جوالك، وتنشره على صفحاتك في وسائل التواصل الاجتماعي؟
السؤال مباشر وبسيط ولكن الإجابة ليست سهلة على الإطلاق، وتحدد شخصيتك ودوافعك والمنظومة الأخلاقية التي تحركك.
كثير من الناس سيصوّرون الحادث بأدق تفاصيله ثم ينشرونه على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الحقيقة فإن العدد الهائل من الفيديوهات للحوادث والمآسي الإنسانية التي نشاهدها على هذه المنصات تقدم إجابة شافيةً عن السؤال.
هل نستطيع القول إن الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي قد أكلتنا، وأخذت وقتنا وجزءًا كبيراً من حياتنا، بل غيرت عاداتنا وأخلاقنا وقيمنا، فصرنا مجرد كائنات تشاهد وتصوّر وتنشر، ولا تحس بما يحدث حولها؟
حتى الدماء والمآسي صارت وسيلة لجمع أكبر عدد من المتابعين والتعليقات على وسائل التواصل الإجتماعي.. هل عدد الإعجابات أهم من إنقاذ حياة إنسان يصارع الموت على جنبات الطريق؟
المتاجرة بمستقبل البشر
يقول البروفيسور ديون فورستر الأستاذ المشارك في جامعة ستيلينبوش الجنوب أفريقية، في مقال حديث له نشرته منصة “ذا كونفرسيشن”، إن “الإنترنت عموماً ووسائل التواصل الاجتماعي خصوصاً تعيد تشكيل هوياتنا الفردية وقيمنا بصورة مشوّهة”.
ويشير فورستر إلى السيطرة الكبيرة التي تملكها وسائل التواصل الاجتماعي من أجل هدف وحيد هو الربح.
وأكد أن هذه الشركات تعمل جاهدة على إيصال المستخدمين إلى مرحلة الإدمان المرضي الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى جعل البشر يتصرفون بطريقة غير أخلاقية مع محيطهم، وربما بطريقة عدائية أيضاً في كثير من الأحيان.
وفي هذا السياق، تشرح شوشانا زوبوف الأستاذة بجامعة هارفارد في الفيلم الوثائقي “المعضلة الاجتماعية” -الذي أنتجته “نتفليكس” العام الماضي ولاقى اعتراضات شديدة جدا من قبل شركة فيسبوك حينئذ- أن “وسائل التواصل الاجتماعي تتاجر حصرياً بمستقبل الإنسان”.
نحن المنتج
وتؤكد الأستاذة زوبوف أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي تستغل عواطفنا ورغباتنا واحتياجاتنا الأولية للاعتراف بنا وتقدير ما نقوم به، ورغبتنا في إعجاب الآخرين بما نفعل، وكلها دوافع عميقة لنا لتأمين بقائنا ووجودنا في هذه الحياة.
وتشرح زوبوف أن “الاعتراف يتعلق بوظيفتين من الوظائف الأساسية للدماغ؛ هما تجنب الخطر، وإيجاد وسائل لتلبية احتياجاتنا الأساسية للبقاء مثل الطعام والشراب والتزاوج.. وهذه الشركات توظف أذكى المهندسين، وعلماء النفس الاجتماعي، والاقتصاديين السلوكيين، والفنانين لجذب انتباهنا، في حين توزع الإعلانات بين مقاطع الفيديو والصور وتحديثات الحالة؛ إنهم يكسبون المال بتقديم مستقبل يبيعه لك المعلنون”.
أو كما يقول جوستين روزنشتاين، الموظف السابق في شركتي فيسبوك وغوغل في الفيلم نفسه، إن “اهتمامنا الوحيد هو المنتج الذي يباع للمعلنين”.
وبهذا التعلق واللعب بعواطفنا وعقولنا فإنها تغير عادتنا وأخلاقنا، وهذا هو أخطر ما في الموضوع، ولكن الأخطر من هذا كله هو قدرة هذه الوسائل على تشكيل أخلاق المراهقين والأطفال والأجيال الجديدة، وتأثيرها في صحتهم العقلية.
ولكن ما العمل؟
هل نستسلم لهذه الوسائط باعتبارها قدراً محتوماً لا يمكن الفرار منه؟
من جهته، يجيب البروفيسور ديون فورستر “لا يمكننا التخلي عن وسائل التواصل الاجتماعي فقد أصبحت جزءاً أساسياً من حياتنا، وليس من الضروري التخلي عنها أصلا، ومع ذلك يمكننا التكيف، تماماً كما تكيف البشر مع المطبعة والإذاعة والتلفاز، وسنحتاج أن نكون أكثر وعياً بكيفية ارتباطنا وتعاملنا مع هذه الوسائط من خلال تنمية عادات صحية خاصة بكل واحد منا لدى تعامله معها”.