نجوى غانم.. أول كاتبة فلسطينية تقتحم “قلعة العزلة” الألمانية
تستعد نجوى غانم لدخول “قلعة العزلة” في ألمانيا، كأول كاتبة فلسطينية تفوز بزمالة “جان جاك روسو” التي تمنحها مؤسسة ألمانية سنوياً لـ7 كتّاب من مناطق الصراع حول العالم.
وفازت نجوى بالجائزة عن قصة قصيرة في كتابها “أغلقت دونها”، ترجمتها للغة الإنجليزية بعنوان “45 دقيقة”، تروي تجربة حقيقية مرت بها في إحدى الحروب “الإسرائيلية” على غزة، عندما لجأ نحو 51 شخصاً من جيرانها إلى منزلها في حي الشيخ رضوان للاحتماء بعد إنذار بغارة “إسرائيلية” على منزل مجاور.
وفي هذه القصة، تروي نجوى بكثير من التشويق والألم “قسوة الانتظار”، أرواح مكتظة في غرفة واحدة، قلوب يملؤها الخوف، وأبصار شاخصة في انتظار صاروخ سيحول منزلاً سكنياً آمناً إلى ركام متناثر، وتمر 45 دقيقة ثقيلة وكأن عقارب الساعة لا تتحرك، ليكتشف الجميع أنهم كانوا معزولين عن العالم الخارجي، يحاصرهم الخوف، من دون أن يصلهم خبر التوصل إلى تهدئة، لينجو المنزل المستهدف من الغارة الغادرة.
وتقول نجوى لـ”الجزيرة نت” إن للحروب حكايات خاصة مع النساء، تترك عليهن آثاراً قد تدوم طويلاً، فالمرأة تعاني آلام الفقدان وخسارة الأحباب ورعب الحياة اليومية تحت القصف والدمار.
قلعة العزلة
حكايات المرأة الفلسطينية مع الاحتلال، إضافة إلى القيود المجتمعية التي تواجهها في جوانب من حياتها، تمثل الملامح الرئيسية للمشروع الأدبي الذي ستعمل نجوى على إنجازه خلال 4 شهور ستقضيها في “قلعة العزلة” في ألمانيا.
وقالت نجوى إن زمالة مؤسسة “جان جاك روسو”، هي عبارة عن منحة للكُتاب في مناطق الصراع في العالم، انطلقت عام 2011، بحيث يتم اختيار 7 كتّاب لدعم مشاريعهم الأدبية بنوعين من المنح: إما بتمويلها مالياً، أو عبر زمالة المؤسسة التي توفر منحة كاملة للفائزين بالإقامة 4 شهور في قلعة العزلة بألمانيا، مع تمويل منتجهم الأدبي.
وتقوم فكرة العزلة على فلسفة نزع الكاتب من الحياة الصاخبة، بحيث يرتد إلى الطبيعة التي تعيد له عافيته وصحته النفسية والذهنية، فيكون قادرا على التفكير السليم من دون أي مؤثرات، لينتج أفضل ما لديه، بحسب نجوى.
ونجوى متزوجة وأم لأطفال أربعة، ليس سهلاً عليها أن تجد الوقت لتعتزل بنفسها، وتعتقد أن العزلة 4 شهور ستمنحها “فرصة فريدة” من أجل الإبداع في التعبير القصصي عن حياة المرأة الفلسطينية التي تواجه “المعاناة بوجوه كثيرة”، سواء بفعل جرائم الاحتلال أو قيود المجتمع وعاداته وتقاليده.
خصوصية المرأة المبدعة
وتؤمن نجوى، وهي في بداية العقد الرابع من عمرها، بضرورة أن يكون للمرأة تأثير في أي من مواقع حياتها، فكان قرارها الاستقالة من وظيفتها معلمة للغة الإنجليزية في مدرسة حكومية، عندما فقدت “الشغف” ويئست من القدرة على التغيير.
وتفرغت لنجوى لحياتها الأسرية وكتاباتها الأدبية.، وهي تقول: إن المرأة المبدعة تعاني، ومعاناتها تزداد إذا كانت متزوجة، من حيث إيجاد “المساحة الخاصة والوقت المناسب للتفكير والإبداع”، وبالنسبة لنجوى، فإن الأولوية هي لأسرتها، ثم تبحث في ثنايا الحياة اليومية عن هذه المساحة التي تستطيع من خلالها التفرغ للكتابة، وغالباً تكون بعد خلود الأسرة للنوم.
بدأت نجوى رحلتها مع الكتابة القصصية باللغة الإنجليزية منذ أن كانت في الجامعة عام 1997، وكان أساتذتها وزملاؤها هم جمهورها ونقادها، ولمست منهم إعجاباً وتشجيعاً على الاستمرار، ثم جربت الانتقال للكتابة باللغة العربية.
ولدت نجوى في أسرة تستهوي القراءة والكتابة جميع أفرادها، ومع خطواتها الأولى نحو المدرسة في المرحلة الابتدائية، وبوصولها إلى الصف الرابع واتقان القراءة السليمة، بدأت تلفت انتباه مدرسيها وزملائها بعبارات يختزنها عقلها وتتكرر على لسانها نتاج كتب وروايات، مما دفع معلم اللغة العربية إلى التنبؤ بما هي عليه اليوم، قائلاً لها: “ذات يوم ستصبحين كاتبة”.
أجنحة الخوف
وعام 2005، انتقلت نجوى من الكتابة باللغة الإنجليزية، وبدأت رحلتها مع الكتابة القصصية باللغة العربية، وبعد 6 سنوات كانت على موعد مع نشر أول مجموعة قصصية بعنوان “”أجنحة الخوف”، وتحتوي على 32 قصة قصيرة.
وتنافس نجوى حالياً على جائزة الدولة عن كتابها “أغلقت دونها”، الذي كانت إحدى قصصه “45 دقيقة” بوابتها للفوز بزمالة “جان جاك روسو” الألمانية، وهذه القصة ذاتها ستكون ضمن كتاب يضم 48 قصة أبدعها 48 كاتباً من فلسطينيي الداخل والشتات، تروي حكايات فلسطينية تعكس الهوية الوطنية منذ ما قبل النكبة مروراً بالاحتلال وحتى الواقع الحالي، وتشارك نجوى مع 24 مترجماً في ترجمته للغة الإنجليزية، وسيصدر قريباً عن دار نشر في بريطانيا.
ورّثت نجوى -التي تنحدر من أسرة لاجئة من بلدة “حتا” داخل فلسطين المحتلة- إبداعها لأطفالها، وهي تفخر بفوز ابنتها “نيسان” (13 عاما) بجوائز محلية وعربية عن قصتها “حلم لاجئ”.
وتعتقد نجوى أن نجاح الفلسطيني في أي من المجالات الإبداعية هو “جبهة نضالية” يجب توظيفها لخدمة القضية الوطنية، والمساهمة في معركة التحرر من الاحتلال.