ناجون من القصف بأعجوبة: لا نعرف كيف خرجنا أحياء!
لا تزال شهادات الناجين من القصف المتواصل على قطاع غزة منذ أكثر من ١٠٠ يوم، تُثير أحزان الفلسطينيين وغضبهم من الصمت الدولي إزاء الجرائم التي من هولها، قد يعتقد من هم خارج غزة أنها اقتباسات من فيلم، وليست مشاهد حقيقية.
وفي إطار متابعة مجريات الحرب على قطاع غزة أولًا بأول، رصدت مصادر اعلامية شهادات عدد من الناجين، بينهم من فقد والده، وآخر خرج من فم الموت، باحثًا عن مكان آمن لأطفاله.
“كان بابا قدام عيني بالشارع، فجأة لقيت بركة دم حوله صرخت بأعلى صوت، بعدها ما وعيت إلا على كلمة أبوك، وإمك استشهدوا”، تحكي الشابة إسراء معين هذه الكلمات بحسرةٍ وقهر، في روايتها لما حدث مع عائلتها أثناء نزوحهم من منطقة الجلاء بغزة إلى أحد مراكز الإيواء القريبة منهم هربًا من القصف العشوائي هناك.
تبكي “إسراء” بحرقة كلما شردت بذهنها إلى ذلك اليوم، قائلةً: “بعد أسبوعين من اندلاع الحرب، تشردنا من منزلنا في مخيم الشاطئ غرب غزة، إلى إحدى مدارس وكالة أونروا المجاورة، وبعد ليالٍ وأيامٍ صعبة قضيناها، خرجنا تحت أصوات الانفجارات والأحزمة النارية، إلى منزل أحد أقاربنا في منطقة الجلاء بحثًا عن الأمان المفقود“.
بقيت عائلة الشابة “إسراء” أكثر من أسبوعين في منطقة الجلاء التي كانت تتعرض كغيرها من مناطق القطاع، لقصفٍ إسرائيلي مكثف، ما دفعهم لخيار النزوح إلى الجنوب.
وبينما هم في طريقهم إلى الجنوب، بدأت مدفعية الاحتلال بإطلاق قذائف عشوائية صوب زحف المواطنين.
وعن ذلك ترويطو: “كان صباحًا قاسيًا، أبي برفقة أمي يسيرا أمامنا لتأمين الطريق لنا، وبين فينة وأخرى، يلتفت خلفه ليطمئن علينا (..) دقائق صار القصف علينا من كل الجهات، والأشلاء تتناثر وصرخات الناس تعلو، عرفنا أن الموت أصبح أقرب شيء لنا“.
وبينما كانت “إسراء” تحاول احتضان شقيقاتها واللجوء لزاوية الشارع للاحتماء من شظايا الصواريخ والقذائف، لحين وصول والدهم إليهم، كانت قذيفة غادرة قد اخترقت جسده وقسمته لنصفين.
وتُردف: “استشهد أمامنا، كان غارقًا بدمائه، دقائق جاء أحد الجيران وأخبرنا أن أمي ارتقت هي الأخرى، حينها لم أستطع لملمة وجعنا (..) صرخت من قهري ورحت في غيبوبة“.
بعدما استفاقت “إسراء” من غيبوبتها، وجدت نفسها برفقة شقيقة واحدة من شقيقاتها بأحد البيوت، كان يراودها قلق كبير على مصير من تبقى من أفراد عائلتها.
وتتابع: “مكثنا في بيوت ناس لا نعرفهم لأيام إلى أن استطعنا الاطمئنان على أمي وبقية إخواني؛ ما خفف من وطأة الألم الذي استوطن قلوبنا“.
وتسهب في شرح معاناتهم أثناء النزوح: “حاصر الاحتلال المنطقة التي كنت أتواجد بها برفقة شقيقتي، بينما كانت أمي وبقية العائلة في مكانٍ آخر، ظل هذا الحال لأكثر من أسبوعين، إلى أن فُكّ الحصار عنا وعدنا إلى حضن أمي“.
وتشير ضيفتنا إلى أنّه خلال نزوحهم، شاهدوا أشلاء وجثث المواطنين ملقاه في الشوارع، بينهم أطفال ونساء، في مشهدٍ يُدمي القلوب، متسائلة بحرقة “ما الذي ينتظره العالم ليُوقف حرب الإبادة التي نتعرض لها من أكثر من 3 شهور؟“.
وتؤكد أنّ أسرتها قررت البقاء في مدينة غزة، وعدم الذهاب إلى الجنوب، بعد استشهاد والدهم، مستطردةً: “شفنا الموت بكل أشكاله، خرجنا من تحت الردم، مشينا من بين الجثث، ودعنا أغلى ما نملك (..) لم نعد نخاف من شيء، فليفعلوا بنا ما أرادوا، وربنا الغالب في النهاية”.
لأجل أطفالنا.. منْ يُوقف العدوان؟
في رواية نجاة أخرى، تحكي أسماء نصار، مواطنة من مدينة غزة، عن معاناة أسرتها التي لم تتوقف منذ اندلاع الحرب، قائلةً: “منذ بداية الحرب وأنا أبحث عن ملجأ آمن لأطفالي الأربعة، ذهبت لأكثر من 5 أماكن، لكن عبث، فالقطاع من شماله لجنوبه يتعرض لإبادة وقصف عشوائي ليل نهار، على مرأى ومسمع العالم“.
تروي “أسماء” شهادتها وآثار الصدمة لا تزال على ملامحها وملامح أطفالها، من هول ما عاشوه في مدينة غزة، قبل أن تقرر الذهاب إلى رفح جنوب قطاع غزة.
أسرة “أسماء” تهجّرت من منزلها بعد أيامٍ قليلة من اندلاع الحرب على غزة، مشيرةً إلى أن موقعه المطلّ على شاطئ بحر مدينة غزة، جعله أكثر خطورة من أي مكانٍ آخر.
وتُضيف أنها تنقلت بأطفالها الأربعة في أكثر من مكان، وفي كل مرة كانت تخرج بهم من تحت النار، وأصوات القذائف والصواريخ، لكن المرة الأخيرة التي اضطرت بعدها للتوجه صوب الجنوب، كانت “الأصعب والأقسى” حسب وصفها.
وتُحدثنا “أسماء” أنهم بعد نزوحهم من أحد مراكز الإيواء في محيط مجمع الشفاء الطبي، توجهوا إلى شمال قطاع غزة، حيث كانت الأوضاع أكثر هدوءًا مقارنة بغيرها من الأماكن، لكن بعد يومين من وصولهم هناك اشتد القصف على الحيّ الذي قصدته العائلة، وساءت الظروف أكثر.
بعد تنهيدة تُكمل حكاية نجاتهم: “ليلة من ليالي الحرب انقلبت الأوضاع فجأة في شمال القطاع، حيث تواصل القصف العشوائي من الطيران والدبابات، لأكثر من 5 ساعات، رأينا فيهم الموت، وتشاهدنا على أرواحنا“.
في هذه الليلة التي لا يُمكن نسيانها، وفق حديثها، ضمّت أسماء أطفالها حولها، وحشرتهم في زاوية المنزل الذي لجأت إليه، بمساحة لا تتجاوز الـ 3 أمتار.
مردفةً: “قلت في نفسي نموت سوا ما حدا يتحسر على حد (..) القذائف حرقت شقة سكنية فوقنا، واخترقت جدران المكان الذي احتمينا فيه، وبأعجوبة نجونا وخرجنا أحياء“.
وما أن خرج النهار عليهم، لجأت العائلة إلى منزلٍ آخر كان قد تعرض مسبقًا للقصف، في منطقة “الستة الشهداء” شمال القطاع، معتقدين أن الأوضاع الميدانية أخف، لكن نزوح المئات أمامهم من تلك المنطقة، عرّفهم بصعوبة العيش ولو لساعة واحدة فيها.
وبعد نزوح أسماء نصار إلى الجنوب، تؤكد أن القصف في كل مكان وأن الاحتلال غادر ولا يعرف مدنيين ولا أطفال “كلنا بدائرة الاستهداف“.
وتلفت النظر إلى أن أطفالها عاشوا في سن مبكر حروبًا متعاقبة، سلبت طفولتهم وبراءته، مضيفة: “تخيلوا أولادي صاموا عن الأكل والشرب، لأيام من قسوة ما مروا به“.
المصدر: سند