الأخبار

كأهوال القيامة… مشاهد الموت والرعب والفقد تملأ غزة

“كأهوال يوم القيامة”، تضع ذات الحمل حملها، ورضيع يمسي وحيدًا دون أمه أو أحد من أسرته، أشلاء لا تُعرف لأي جسد تعود، ومجهولون ووريت جثامينهم الثرى دون أن يتعرف عليهم أحد، ودون أن يحظوا بوداع أخير أو جنازة يسير بها أحبتهم، أب يهوي من هول الفقد، وأم تكاد أن تفقد عقلها بعد أن فقدت أبناءها جميعهم، مشاهد وقصص لا تعد ولا تحصى، في كل شبر في القطاع المنكوب.

هكذا يصف الغزيون المشاهد التي يعيشونها منذ تسعة أيام على التوالي، والذي أودى حتى الآن بحسب ما تمكن وزارة الصحة من إحصائه بحياة 2670 شهيد، وإصابة 9600 جريح، في حين لا يزال أكثر من ألف آخرين مفقودين تحت أنقاض المباني المدمرة.

من بين الدّخان والرّماد والنّار والقصف، يخرج المسعفون والمنقذون حاملين أكياسًا أو بطّانيات تضم أشلاء أطفال شوّه الاحتلال أجسادَهم، كثير منهم فصلت رؤوسهم عن أجسادهم، ونساء حملنَ أجنّتهنّ في بطونهنّ عدّة شهور لكن، من هول الصّدمة والقصف أجهضنهم، فنزلت تلك الأجنّة بين أيدي المنقذين والمسعفين والأطباء.

مشاهدٌ تدمي القلب، أظهرت للعالم إجرام المحتل بأبشع صوره، الذي أباد عائلات بأكملها، ومسحها من السجل المدني، وأخرى لم يبق منها سوى فرد واحد شاهد على مذبحة الاحتلال لعائلته، أطفالٌ بعمر شهور وسنوات قليلة دون والدين، فهم إما شهداء أو تحت الأنقاض.

حكاياتٌ كثيرة، رُسمت بالدّمِ والصبر والصمود، تشاركها أكثر من 2 مليون شخص، في قطاع غزّة الذي تبلغُ مساحته 360 كيلومترًا مربعًا.

طفولةٌ مسلوبة..

بين ممراتِ وغرفِ المشافي، يُسمع صراخُ الأطفال والرُضع من كلّ حدبٍ وصوب، جمعهم القصف النازل من سماء عدوانٍ إسرائيلي، لا يأبه لأجسادهم الغضّة، وسرقَ منهم مصدر الأمان، في عالم الحرب الموحش.

كتب المُمرّض مؤمن المدهون عبر صفحته على “انستجرام”، قصة مؤثّرة للطفل الرضيع “حمزة محمود ملَكة”، ابن العامين الذي وصل لطوارئ مستشفى “الشفاء” مع شخصٍ غريب، بعد أن تمّ انتشاله من بين ركامِ منزله المُدمر.

كان “المدهون” في حينها على رأس عمله، واستلَم الطفل، وسجّله “مجهول برقم”؛ بعد أن ارتقى والديه في ذات القصف، وبدأ بالاعتناء به.

وكلما حاول أيّ شخصٍ الاعتناء بالطفل “حمزة”، كي يتفرّغ المُمرّض للمصابين الآخرين، لكن الطفل يبكي ويصرخ ويتمسّك بالممرّض أكثر، كأنه يقول له “لا تتركني لم يعد لي غيرك”، فاحتضنه بشدّه وقام بتقطيب جروحه، ثُمّ لفّه بزيّه التمريضي، محاولًا منحه بعض الدفء والأمان.

في مشهدٍ قاسٍ، يكبرُ فيه أطفال غزّة قبل الأوان، يقفُ طفلٌ صغيرٌ مُصاب، إلى جانب والدته المصابة بشكلٍ بالغ إثر القصف، يتأملها ويرتجيها ألّا ترحل عنه، فقلبَهُ الصغير لا يحتمل ما يجري.

وتلك الطفلة التي ترقُدُ والدتها على حمّالة الإسعاف على أرض إحدى مشافي غزة، وتُمسك بها والدتها وتحتضنها بقوّة، فيما تمسك الصغيرة بأمها تستمد منها شيئا من الأمان.

طفل يتمسك بأمه الجريحة.JPG
1.jpg

يُفجعون على رأس المهنة..

على مدار تسعة أيامٍ متواصلة، يواصل الأطباءُ إنقاذ المُصابين، والصحفيون توثيق هذه الجرائم، ويسألون الله أن يجبرَ قلوب عائلاتهم، حين يُشاهدون أشلاءهم وحالتهم التي “تُبكي الصخر”، فهذا الألمُ فوق الطاقة، وأن تمسّ العائلة بفقدان أحد أفرادها، شعورٌ صعب.

وبينما يؤدي أحد الأطباء عمله، يُفجع في مشهدٍ مُدمي، باستشهاد طفله وإصابة عائلته جرّاء قصف الاحتلال العنيف المتواصل.

أما الصحفي معتز عزايزة، وثّق مشهد ارتقاء 15 شهيدًا من عائلته، بينهم أشلاء، شُوّهت ملامحهم، والتقطَ بعدسته الدمار الذي حلّ بمنطقة سكنه، دون أن يتلفظ بأي كلماتٍ من هولِ الصدمة.

قتلوا العروس..

وفي هذا القِطاع، تُكفّن العروس بالأبيض وتزفّ إلى مثواها الأخير، بعد أيامٍ قليلة من ارتدائها فستان الفرح الذي لطالما حلمت به.ويوثّق مقطع متداول، والدة عروسٍ ارتقت شهيدة، تجهشُ بالبكاء، وتُردّد بقلبٍ مكلوم: “قتلوا العروس.. والله حتى اللحظة لم نقم بإعادة البدلة لمحل الإيجار!”.

سجودٌ من هولِ الصدمة..

ننحني أمام هؤلاء الغزيين الذين ألِفوا الموت، وقابَلوهُ بالشموخ والصمودِ في الأرض، فهناك طفلٌ يُغطي جسده وملابسه الغبار والأتربة، يخرّ ساجدًا عند وصوله إلى المستشفى، من هولِ الصدمة التي عاشها بعد إنقاذه من تحت أنقاضِ منزله الذي قصفته طائرات الاحتلال.

وفي مشهدٍ مؤثرٍ آخر، خرّ مسعف فلسطيني ساجدًا فور نزوله من مركبة الإسعاف أمام أحد المشافي، وانهار باكيًا بعد ما شاهده من ضحايا مجزرةٍ ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين في غزّة، مُعلّقًا: “يا الله.. يطلبون من الأهالي الخروج من منازلهم ثمّ يقصفونهم! سيأتي إلى هنا الآن نحو 200 شهيد”.

حتى الحيوانات لم تسلَم..

الحجر والشجر وكل كائن حي، مستهدف تحت حمم الصواريخ، حتى الحيوانات، لم تسلَم من الصواريخ.

فبعد أن قصف الاحتلال منازل المواطنين في القطاع، منهم من استطاع الهروب وآخرون استشهدوا تحت الأنقاض، لكنّ من كتب الله لهم عمرًا جديدًا، بدؤوا بالبحث عمّا فقدوا من حيواناتهم التي لم يستطيعوا إخراجها، منهم من فَقَد كلبه أو قطته، ومنهم من وَجَده.

لكنّ آخرين، وَجدوا حيواناتهم قد فارقت الحياة بفعل القصف، فكان الأطفال بجانبها يبكون ويحترقون على ذكريات عاشوها معًا ومسحها الاحتلال مسحًا بنيرانه البغيضة الحاقدة.

387789476_1260795697933670_6023320144304743229_n.jpg

المصدر: سند

زر الذهاب إلى الأعلى
تلفزيون المدينة

مجانى
عرض