شيّب سواي يا قاتلي، فأنا ابن الأرض سيد الحق، طرّز رأسي برصاصك، باقٍ هنا رغم أنفك، حتى أدوس بنعلي رأسك، وتعود لي أرضي.
سبقني إلى السماء بأيام، صديقي محمد حمايل، جمعتنا الذكرى ونحن نبذر ونروي هذي الأرض، ندافع عن طهرها بالمقليعة والحجر، جمعتنا صورٌ مجمدةٌ إلى ما وراء الأبد، خرجنا من أطرها، متعانقين بخفة روحينا في سماء الله الواسعة.
كلماتٌ لم يقلها الشهيد أحمد بني شمسة من بلدة بيتا، إذ لم تسعفه الرصاصة التي غدرت بوقفته الأبية على جبل صبيح، طفلًا ذي الـ 15 عامًا، على قولها، لصديقه محمد حمايل الذي سبقه إلى حتفه قبل أسبوع.
كان يقف على منطقة ينوي الاحتلال تدنيسها، وعلى بعد 300 متر من جنود الاحتلال، شامخًا على أرضه، يعوّذها من الدنس بنظرته الوديعة، بأحلام طفولته، ودندنات المراهقة الأولى، ومعه اثنين من أصحابه، الذين وصفوا ما حدث معهم بالمشهد المرعب، بالكابوس الذي يحرمك هناء النوم دهرًا.
في وصفهم البليغ، وكلماتهم المجروحة قال رفاق الشهيد: “كنا معًا، ننظر إلى المكان والمواجهات دون القيام بأيّ عمل قد يصفه جنود الاحتلال بـ “الإرهابي”، لكنهم باغتونا عن مسافة 50 مترًا وأقل، وأطلقوا علينا الرصاص الحي، حتى اخترقت واحدةً رأس أحمد، ففار الدم من جمجمته، وحين حاولنا الاقتراب منه لإسعافه، أطلقوا علينا وابلًا من الرصاص، ورويدًا رويدًا، حاولنا الاقتراب لإسعافه، وجرى نقله إلى المشفى”.
“أحياءٌ عند ربهم يرزقون”
وبوقفة باسلة، استقبل والد الشهيد الخبر، متمتمًا بدعوات الرضى والقبول لنجله.
وأمام عزّة المشهد، استهل والد أحمد حديثه بقول الله تعالى: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”، وتابع مباركًا شهادة ابنه، قائلًا: “هذا شهيد، والشهيد لا يُبكى ولا يُحزن عليه، بل ندعو الله أن يجمعنا به في فسيح جنانه”.
لم يتوقع والده أن يكون الموت قريبًا من أحمد إلى هذا الحد، وأن تخطف الرصاصة فلذة كبده بهذه السرعة، ولفت في حديثٍ لـ “تلفزيون المدينة” إلى أنه تمنى له الشهادة في موقف أشد تأثيرًا، كأن يستشهد حاملًا بندقية تصوّب فداء عزة هذه الأرض.
شاردًا في فكره، واصفًا ابنه بالمقدام الشجاع، يتابع والد الشهيد بني شمسة: “لكم نهيته عن الذهاب إلى موقع المواجهات، وحاولت منعه مرارًا، لكنه لم يُثنَ عن إقدامه برفقة أصحابه، وظلّ يذهب مسيرة الأيام الماضية إلى الجبل، دون أن ترهبه رصاصة أو جندي”.
وأمس، لم يذهب الشهيد إلى عمله وظلّ في البيت، ومع ساعات العصر، ارتدى ملابس العمل وذهب إلى جبل صبيح، دون أن يخبر أهله، وانتاب والده إحساسًا بأن الشاب الذي أُصيب برصاصة في رأسه هو أحمد، حتى عاد من عمله وفوجئ بصحيح إحساسه.
تأجّل العشاء العائلي، راح إلى غيابات الجب وأبدية الدهر بعد أن فقدت العائلة طفلها المحببّ، وطالت الرصاصة رأس أحمد، وهتكت بقلوب عائلته، أمه وعلى خدها دمعة، وإخوته مدهوشين، شرخًا ما أدمى بقلوبهم.
يذهب الشهداء تباعًا، بعد نظرة الوداع من على سفح جبل صبيح، المهدد بجريمةٍ صهيونية استيطانية، أحمد ليس أولهم، وحتمًا لن يكون الأخير، فالأرض ما زالت عطشى، وبصيص النور لن يغطيه الغربال، والجبل حرٌ بأحراره، وعصيّ على جريمة اغتصاب الحق علنًا.
كتبت: سُميّة النجّار
تحرير: هالة حسون