“عدم الترخيص”.. سياسة الاحتلال المستمرة لطرد المواطنين من القدس
تتضاءل الخيارات أمام المواطنين، الذين تهدم جرافات بلدية الاحتلال منازلهم في مدينة القدس، أو من يجبرون على هدمها ذاتيًّا، بحجة البناء دون ترخيص، وقد وضع الاحتلال عراقيل تجعل من أمر استصدار “إذن البناء” أمرًا مستحيلًا.
ويجد المقدسي الذي تعرض منزله للهدم، مضطرًّا للبحث عن منزل بديل، عوضًا عن استحالة البناء مكانه، في ظل سلسلة إجراءات وتعقيدات وتكاليف باهظة، تفرضها بلدية الاحتلال.
في حي الصوانة أحد الأحياء المقدسية المستهدفة بالهدم، كان يقيم المواطن إياد الإمام، مع عائلته المكونة من سبعة أفراد، قبل أن تحول جرافات الاحتلال منزله إلى ركام، ويضطر للجوء إلى منزل والديه، الذي بالكاد يتسع لهم.
تراخيص مستحيل الحصول عليها
كلفة التراخيص الفلكية التي تفرضها بلدية الاحتلال بالقدس، وإجراءاتها الطويلة التي قد تمتد لسنوات، تجعل التفكير في بناء منزل، ضربًا من المستحيل، مقارنة بالتسهيلات الممنوحة لبناء المستوطنات في شرقي القدس وغربيها.
وبالمثل، اضطر المقدسي محمد عبد عودة من حي سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، لاستئجار منزل في ضاحية العيزرية، شرقي مدينة القدس، عقب هدم منزله منذ شهرين، وهو يقول إنه إجراء مؤقت، وإن مآله العودة للحي في أقرب فرصة.
ويُضيف عودة: “سأعود لحي سلوان في أقرب فرصة، رغم تعقيدات الحياة وصعوبتها ومرارتها، لكن لا يمكن أن نبتعد عن الأهل والمنطقة وتفاصيل الحياة التي اعتدنا عليها”.
البحث عن بديل
آلاف المقدسيين اضطروا للجوء لذات الخيارات، فتجد الأحياء في شمال وشرق القدس، تتسع عموديًّا، وباتت بلدات كفر عقب وقلنديا والعيزرية والزعيّم وأبوديس وغيرها، ملجأً لمن تركتهم قرارات الاحتلال وإجراءاته في العراء.
ويتسبب شح الشقق السكنية في القدس، نتيجة قلة الأراضي ورخص البناء وارتفاع تكاليفها، في حال صدرت بالفعل، بارتفاع أسعارها سواء للشراء أو الاستئجار.
وتشهد بلدة سلوان، الحامية الجنوبية للمسجد الأقصى، عمليات هدم واسعة تعكس محاولة سلطات الاحتلال تهجير أهالي القدس لصالح المشاريع الاستيطانية.
عمليات هدم لا تتوقف
وخلال العام 2024 فقط، نفذ الاحتلال 243 عملية هدم في القدس، وفق إحصائيات مقدسية، وهو أعلى معدل هدم في عام واحد، منذ احتلال المدينة عام 1967.
كما تم تسجيل 103 عملية هدم ذاتية، لتجنب تكاليف الهدم التي تفرضها بلدية الاحتلال على أصحاب المنازل، في حال قامت آلياتها بعملية الهدم.
ويحاول الاحتلال من خلال الهدم الذاتي، كسر إرادة وصمود المقدسي والعمل على إفقاره واستنزافه مادياً، بالإضافة إلى مساعيه المتواصلة لتفريغ القدس من سكانها، ومنع المقدسيين من التمدد العمراني وجعلهم أقلية.
ويتضح من عمليات الهدم الجماعية في بلدة سلوان، وخاصة في حي البستان، أنها باتت تنذر بأن بلدية الاحتلال أصبحت قريبة من تنفيذ وعيدها، بإزالة الحي بالكامل، وتهجير ساكنيه، لصالح المشاريح الاستيطانية ومنها الحديقة التوراتية.
يقول مسؤول الحملة المقدسية لمناهضة الهدم والتهويد، ناصر الهدمي، إن بعض الخيارات لمن هدمت بيوتهم الخروج من المدينة والاستئجار بكلفة مالية تصل الى 1300 دولار شهريا، فيما خيارات البعض الآخر بناء دون ترخيص؛ غرفة أو اثنتين، قد تتعرض للهدم من جديد.
ويشير الهدمي في حديثٍ مع “وكالة سند للأنباء“، إلى أن “المقدسي يضطر للبناء دون ترخيص، نظرًا لإجراءات الترخيص المعقدة، حيث تتراوح الفترة الزمنية للانتظار بين 5 أعوام لـ 15 عاما، بتكلفة مالية تتراوح بين 100 ألف دولار إلى نصف مليون دولار، وهو أمر يعجز المقدسي عنه”.
الهدم كعقاب جماعي
وتابع أنّ “هناك 35 ألف وحدة سكنية أقامها المقدسيون دون تراخيص، يسكن فيها ما بين 150-180 ألف مقدسي، ليحافظوا على وجودهم داخل المدينة، في مشهد يهدف للحفاظ على هوية القدس، ومقاومة التهجير”.
بدوره، يؤكد الباحث في شؤون القدس أحمد الصفدي، أن الاحتلال يستخدم الهدم كعقوبة جماعية تستهدف المقدسيين بدعم وتسهيل حكومي.
ويشير إلى سياسة منع إصدار تراخيص بناء للفلسطينيين، وعدم وجود مخططات هيكلية للبناء، التي تخدم بالنهاية المخططات الاستيطانية في المدينة، تشكل دافعًا للبناء دون ترخيص، أو استئجار منزل بالمدينة أو خارجها.
ويضيف الصفدي، أنه “وفي ظل الحكومة اليمينية المتطرفة، تضاعفت عمليات الهدم أربع مرات، وامتدت لهدم مساجد ومنشآت اقتصادية، بالقدس وضواحيها، كما هو الحال في بلدتي عناتا وحزما، شرقي القدس”.
ويؤكد أنّ الاحتلال يسعى عبر سياسة الهدم البناء الفلسطيني في القدس لتغيير التركيبة الديمغرافية في المدينة، فحسم هذا الأمر أصبح من الأولويات الإسرائيلية في القدس.
المصدر: سند