يصوّر كتاب “حكاية لاجئ” تفاصيل صغيرة في حياة المخيم، لا يزال بعضها قائمًا حتى اللحظة، فيما اندثر الكثير منها.
وتحدثت الكاتبة في جوانب من الكتاب عمّا كانت تعرف بـ”صرة المؤن” وكانت تطلق على مساعدات من الملابس تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” للاجئين من سكان المخيمات، عبر مراكز يطلق عليها البعض حتى اللحظة “المؤن” .
بعد نحو 20 عاما قضتها الفلسطينية السبعينية فائقة الصوص معلمة لمادة اللغة العربية في الجزائر؛ عادت إلى مسقط رأسها في “مخيم البريج” للاجئين وسط قطاع غزة، لتجد أن المخيم ليس هو المخيم الذي تركته، فقد تغيرت هويته وملامحه.
مرت سنوات منذ عودة الصوص إلى المخيم مع تأسيس السلطة الفلسطينية في العام 1995، والسؤال الذي يشغلها “هل تدرك الأجيال الشابة حقيقة هذا المخيم وحياته البائسة في سنوات اللجوء الأولى؟”، وقررت أن تأخذ المبادرة بكتاب جمعت فيه قصصًا وحكايات عايشت بنفسها الكثير منها في أزقة المخيم في خمسينيات وستينيات القرن الـ20 الماضي.
حكاية لاجئ
وقالت الصوص، إن كتابها الذي أطلقت عليه “حكاية لاجئ” يهدف إلى “نبش” ذاكرة الكبار ممن عايشوا سنوات ما بعد النكبة في العام 1948، وتعريف الأجيال الشابة بما عايشه “جيل النكبة” وما بعدها ممن ولدوا في مخيمات اللجوء من حياة قاسية بائسة، ضاعفت من معاناة التشرد وهجرة الأرض والممتلكات تحت وقع مجازر العصابات الصهيونية.
ويقع كتاب “حكاية لاجئ” في 139 صفحة من القطع المتوسط، ويضم بين دفتيه 30 قصة وحكاية، اختزنتها الصوص في ذاكرتها، وتتناول جوانب مختلفة من حياة اللاجئين في مخيمات اللجوء، أغلبها اندثرت مع توالي السنين وتطورات الحياة .
أصل الحكاية
وقررت الصوص، أن تجمع تجاربها وحكاياتها في كتاب يوثق تلك الحقبة ويكون في متناول القراء والمهتمين، بعد أن زاد تشجيع متابعيها على صفحتها الشخصية في ” فيسبوك ” وتفاعلهم مع بضعة سطور كتبتها حول جانب من حياة اللاجئين في مخيم ” البريج “.
وحرصت الصوص في مستهل الكتاب تأصيل هجرة الآباء والأجداد وتوظيف المعلومات التاريخية عن النكبة بأسلوب أدبي مبسط، يخدم الباحثين والمهتمين من جهة، ويجذب الصغار والشباب من جهة أخرى، واستهلت كتابها بعنوان ” أصل الحكاية”.
تنحدر الصوص من عائلة لاجئة من بلدة بيت طيما، وتقع على بعد نحو 32 كيلومترا من مدينة غزة، داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وقد اضطر سكانها إلى هجرتها واللجوء إلى غزة للنجاة بأنفسهم من جرائم العصابات الصهيونية، كما غالبية مدن وقرى فلسطين التاريخية.
وتحدثت الصوص في هذا الجانب من الكتاب عن جدتها لأبيها، التي خاطرت بنفسها ليلًا، وقطعت تلك المسافة الطويلة ممتطية ظهر حمار، وتسللت إلى البلدة، من أجل جلب أوراق الملكية “الطابو”، وكان اعتقاد اللاجئين آنذاك أن عودتهم إلى منازلهم وأراضيهم لن تطول أكثر من بضعة أيام أو أسابيع.
وظلت جدة الصوص محتفظة بهذه الأوراق ولم يفارقها حلم العودة إلى بيت طيما حتى وفاتها، حيث أردفت الصوص أن الحق لا يجب أن يسقط بالتقادم وبمرور السنين، ومهما اختلفت هوية المخيم وملامحه من حيث المنازل المبنية على الطريقة الحديثة والشوارع المرصوفة، لذلك ينبغي تذكير الشاب باستمرار بأنهم أبناء وأحفاد لاجئين سرقت أراضيهم وأن العودة إلى فلسطين ستتحقق لا محالة .
حياة بائسة
ومن أجل زرع الحماسة في نفوس هذا الجيل الشاب وتعميق ارتباطهم بالأرض والغضب لما كان عليه حال ذويهم بعد الهجرة والتشرد؛ حرصت الصوص على وصف دقيق لحكايات عكست ” حياة بائسة ” داخل المخيم، وتساءلت : ” هل يتخيل جيل اليوم كيف كان أهاليهم والجيران في مربع سكني كامل يتزاحمون على دورة مياه عمومية واحدة، وصنبور واحد لمياه الشرب ؟ “.
ويصوّر كتاب “حكاية لاجئ” تفاصيل صغيرة في حياة المخيم، لا يزال بعضها قائمًا حتى اللحظة، فيما اندثر الكثير منها، وتحدثت الصوص في جوانب من الكتاب عمّا كانت تعرف بـ” صرّة المؤن ” التي كانت تطلق على مساعدات من الملابس تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ” أونروا “” (UNRWA) للاجئين من سكان المخيمات، عبر مراكز يطلق عليها البعض حتى اللحظة ” المؤن “.
ورغم هذه الحياة البائسة؛ فإن هزيمة الجيوش العربية في يونيو/حزيران 1967 التي يطلق عليها ” النكسة “، شكلت الصدمة الأكبر للاجئين الفلسطينيين، وقالت الصوص، إن اللاجئين في المخيمات استمعوا ” بسعادة غامرة ” لإذاعة ” صوت العرب ” وصوت مذيعها الأشهر أحمد سعيد ” يجلجل ” بالنصر العربي، وخرج الجميع كبارا وصغارا إلى الشوارع، وسط زغاريد النساء وتكبيرات الرجال والأطفال، حتى تحوّل كل شيء.