أقامت جمعية التراث في منطقة سولت ريفر بمدينة كيب تاون مهرجانًا مجتمعيا للفنون كشف النقاب عن أكبر جدارية لدعم القضية الفلسطينية في القارة والتي تحتفل بتاريخ وسياسة هذه الضاحية من الطبقة العاملة في كيب تاون.
وتنقسم الجدارية التي يبلغ طولها 140 متراً مربعاً، إلى 3 أجزاء، الأول في شارع البابا، يكرم برسوماته 4 رموز جنوب أفريقيين ناضلوا من أجل القضية الفلسطينية وقضية الفصل العنصري في بلادهم في المنطقة وما حولها، وهم القاضي سراج ديساي، ودولا عمر، وأنواه ناجيا، وبيني كيس، وشارك في رسمها الفنانان نذير حسين ونظيم جاردين، والجدارية الثانية والثالثة ضمت ناجي العلي وغسان كنفاني وكاريكاتير حنظلة وغيرهم من رموز القضية الفلسطينية.
حنظلة رمز عالمي
وفي حين تم رسم سلسلة من الجداريات تكريماً لرسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي على زوايا الشارع الرئيسي في الضاحية بواسطة تسنيم شيلوان ونذير جيبي، أكد المسؤول عن الفعالية نواوي ماثيو أن كاريكاتير حنظلة لم يكن منذ استشهاد ناجي العلي رمزاً فلسطينياً فقط، بل مثل المعاناة التي يعيشها الناس في جنوب أفريقيا وضرورة الوقوف في وجه الظلم وعدم المساواة.
وأشار ماثيو في حديثه لـ”الجزيرة نت” إلى أن رموز القضية الفلسطينية لم ولن يكونوا مجرد أرقام ورسومات بالنسبة للأفارقة.
وبدأت الفعالية التي أقيمت في حي سولت ريفر في مدينة كيب تاون، بفرقة غنائية تجولت في ضواحيها وانتهت في شارع الفعالية الذي حوى الجدار في طريق فنتون لديزيريه إليس، وشاركت عدة شخصيات حكومية ودبلوماسية في الافتتاح من ضمنهم السفيرة الفلسطينية في جنوب أفريقيا حنان جرار.
تكريم لنضال مشترك
نشأ القاضي ديساي، العضو الوحيد من أهل الحي المرسوم على الجدار التذكاري، في مكان قريب من الجدار، ويمثل -بحسب السفيرة الفلسطينية حنان جرار- رمزاً للالتزام بمكافحة العنصرية وإقامة مجتمع متحرر ودعم القضية الفلسطينية.
وفي حديثها لـ”الجزيرة نت”، أكدت السفيرة الفلسطينية أن القاضي ديساي وأمثاله من رموز النضال في الجنوب الأفريقي هم دعامة أساسية في النضال الفلسطيني، وشددت على ضرورة التكاتف حوله بعد هجوم شرس شنّ عليه مؤخراً من قبل اللوبي الصهيوني في البلد.
وسلمت السفيرة الفلسطينية رسالة دعم للقاضي ديساي من رئيس مجلس القضاء الأعلى الفلسطيني المستشار عيسى أبو شرار بعد أن رفع الاتحاد الصهيوني في جنوب أفريقيا شكوى ضد ديساي لمواقفه وتعليقاته الداعمة لفلسطين.
جدارية للجميع
في حين أوضحت تسنيم شلوان، إحدى الفنانات الرئيسيات في الفعالية، أن جداريات حي سولت ريفر التي أطلق عليها اسم جدارية للجميع، كانت فكرة منذ أكثر من 20 عاماً وهي تشكّل اليوم رمزاً مهما للتضامن الثقافي.
وأكدت تسنيم أن التاريخ طويل الأمد للنضال المشترك ضد الفصل العنصري بين جنوب أفريقيا وفلسطين لم يكن سياسياً فقط، بل حمل في طياته ثقافتي الشعبين المناضلين من أجل الحرية، مشيرة إلى أن استخدام الجدران في الحي كرموز إيجابية للنضال دليل لوحده على تضامن الجنوب إفريقيين حينما يتعلق الأمر بحرية الشعب الفلسطيني.
وبحسب المشاركين في الفعالية، فإن اللوحة الجدارية ما هي إلا تكريم لحركة الوحدة في جنوب أفريقيا، إذ أكد عمر، إمام أحد المساجد في الحي، أنهم وباختيارهم هذه الصور والرموز “فإننا نصحح ثغرة في تاريخنا”، مشيراً إلى أن الجنوب أفريقيين يحتفلون بمثل هذه الفعاليات باستعادة “شوارعنا وجدراننا”، على حد وصفه.
وشاركت جمعيات تراثية في افتتاح هذا الحدث باعتباره الأول والأكبر من نوعه، حيث قال أنور عمر نائب رئيس جمعية تراث المدينة إن هذا الحدث سيكون الأول من بين العديد من الفعاليات.
وأكد عمر لـ”الجزيرة نت” أنه يأمل من المجتمع رسم المزيد من الجداريات وإقامة أحداث مماثلة للاحتفال بالثقافة والتاريخ المحلي كل 3 أشهر، مشيراً إلى أنه غالبًا ما كانت تُرسم الجداريات في المنطقة دون أي مرجع ذي صلة بالسكان المحليين أو بالثقافة، وأن مثل هذه الجداريات هي وحدة مجتمعية للنضال من أجل الخير و”شكل من أشكال التحسين الثقافي”.
وبحسب المؤرخين، فإن تاريخ فن الشارع يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، حيث كتب الرومان رسائل لبعضهم بعضاً على جدرانهم، وفي الآونة الأخيرة، وخلال الثورة الفرنسية، تم رسم عبارة “حياة السود مهمة” على الجدران في جميع أنحاء العالم من أجل التعبير عن ذكرى قتل الأميركي ذي البشرة السوداء جورج فلويد من قبل الشرطة الأميركية.
ولا يعتبر فن الشارع جديدًا، ولكن الوسيلة تتطور، وطبيعة النشاط تتغير، ومعها يتغير مستقبل حرية التعبير وفكرة النضال من أجل فكرة معينة مثل اللوحات الجدارية، بحسب ما ذكره نواوي ماثيو.