يشكو موظفون في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، التشديدات التي تفرضها الوكالة الأممية على استخدامهم مصطلحات وطنية، مرتبطة بقضيتي اللاجئين وحق العودة.
ومن تلك المصطلحات التي يحظر استخدامها في المواد التعليمية الإلكترونية، التي يعدها معلمو الأونروا، أسماء المدن الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948، مثل القدس ويافا وحيفا وعكا، فضلاً عن حظر استخدام بعض الآيات القرآنية التي تنصّ على الجهاد أو تصف المنافقين.
مصطلح فضفاض
ويستنكر أمين سر اتحاد الموظفين العرب في الأونروا محمد شويدح، عدم وجود معايير واضحة لمبادئ الحيادية لدى الأونروا حيث باتت تمس القيم الوطنية والإسلامية سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية على حدّ قوله.
ويقول شويدح إن “الأونروا ومن خلال تجربة الاتحاد، تصنف المواضيع التي تخص كلاً من اللاجئ الفلسطيني والقضية الفلسطينية وحق العودة بأنها مواضيع تمس الحيادية”.
وأضاف أن الأونروا “وضعت بعض القيود على استخدام بعض الآيات القرآنية، واعتبرت ذكرها خرقا للحيادية، وهذه الاستجابة جاءت بناءً على ضغوط إسرائيلية”.
وضرب مثالاً بالقول “طلبت منا الأونروا استبدال سؤال حسابي حول المسافة التي تبعد فيها مدينة حيفا (شمال) عن القدس، بالمسافة بين مدينتي غزة وخان يونس، وبررت طلبها بأن مدينتي حيفا والقدس غير فلسطينيتين، وذكرهما يعد اختراقاً للحيادية”.
وأوضح شويدح أن الأونروا “تغير وتحذف بعض الدروس والمواضيع في المواد الإثرائية، التي يعدّها معلموها والتي من المفترض أن تعكس المنهاج الفلسطيني”، مستشهداً في ذلك بدرس في كتاب للصف الثالث في المرحلة الابتدائية اسمه “حيفا والنورس”، وحيفا هنا اسم فتاة، وقد طلبت الأونروا إقصاء هذا الدرس من المواد الإثرائية لوجود اسم حيفا.
وأشار إلى أن هذا الدرس كان ضمن الكتاب الرسمي في المنهاج، والمادة الإثرائية انعكاس وشرح لهذا الكتاب، ولا يمكن التدخل في وضعه.
ضغوط إسرائيلية
وقال شويدح إن تشديد الوكالة على منع استخدام المصطلحات الوطنية، يأتي جراء ضغوط تتعرض لها من مؤسسات صهيونية ودولية، تراقب عملها خاصة في ظل إتاحة المواد عبر شبكة الإنترنت خلال التعليم الإلكتروني، كما تتعرض لضغوط لتغيير المنهاج الفلسطيني، وملاحقة المعلمين، واستجابتها لذلك مجرد رد فعل.
ويعتقد شويدح أن هذه الهجمة “الإسرائيلية” على الوكالة “تأتي في إطار رغبة دولة الاحتلال في طمس أقوى شاهد على قضية اللاجئين الفلسطينيين”، مشيرا إلى أن دولة الاحتلال سبق أن حاولت عام 2018 تغيير مسمى وتعريف اللاجئ واقتصاره على الأفراد الذين هجروا من أراضيهم عام 1948، دون إلحاق هذا الوصف بأبنائهم وأحفادهم الذين لم يعايشوا عملية التهجير.
كما ذهبت دولة الاحتلال -وفق شويدح- إلى الضغط باتجاه تقويض عمل المؤسسة من خلال السعي لوقف تمويلها من الدول الكبيرة، وملاحقتها في مناهجها وموظفيها، وأشار إلى أن الأونروا أوقفت عدداً من موظفيها عن العمل مؤقتاً حتى انتهاء تحقيقاتها، فيما يتعلق بتقرير رفعته منظمة رقابية دولية، واتهمهم باختراق الحيادية.
وأكد شويدح أن اتحاد الموظفين “يؤيد تحلي الوكالة بمبادئ الحيادية ومستعد للالتزام بها، شرط أن تكون واضحة ولا تمس المبادئ الوطنية والإسلامية، لكن مبادئ الحيادية التي تطالب بها المنظمة فضفاضة وغير واضحة أو محددة”.
وأضاف “نحن مع الأونروا ومع تطبيق الحيادية، وكنا مشاركين دوما في هذا الموضوع، لكن أن يتجاوز الأمر ليصل إلى القيم الوطنية والإسلامية فهذا غير مقبول”.
وعبّر شويدح عن رفض الموظفين والمعلمين في الوكالة المبادئ التي تخالف الأسس التي نشأت من أجلها المنظمة والتي تضم مئات الآلاف من اللاجئين المهجرين من مدن كحيفا وعكا ويافا.
كما انتقد استجابة الأونروا المتكررة للضغوط “الإسرائيلية” وإن كانت على حساب القيم الوطنية والإسلامية، مشيرا إلى أن هذه الاستجابة “لا تنفي دور الأونروا العريق في كونها الشاهد الوحيد على قضية اللجوء الفلسطينية والمساعدات التي قدمتها للاجئين منذ وجودهم”.
وطالب شويدح الأونروا بتدريس المنهاج الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة دون أي تدخل كما تفعل في الدول العربية الأُخرى المضيفة، وقال “الوكالة تتبع البلد المضيف، ففي الأردن يتم تدريس المنهاج الأردني، وكذلك في لبنان وسوريا، لذا عليها احترام المنهاج الوطني الفلسطيني والبلد المضيف لها وعدم التغيير فيه”.
العودة المشروطة
وأدان شويدح اتفاقية الإطار التي وقعتها كل من واشنطن والأونروا يوم 15 يوليو/تموز الماضي، وتضمن عودة مشروطة للدعم الأميركي لنشاطات الوكالة.
وكان المكتب التنفيذي للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية قد ذكر في بيان سابق أن الاتفاقية تنص على وقف مساعدة الأونروا عن كل لاجئ ينتمي لجيش التحرير الفلسطيني أو أي منظمة من فئات العصابات ومن يشارك في عمل إرهابي، بحسب التصنيف الأميركي الإسرائيلي.
كما اشترطت الاتفاقية أيضاً مراقبة المنهاج الفلسطيني، وحذف وشطب أي محتوى لا يتناسب مع وجهة نظر الاحتلال، ومراقبة كافة مؤسسات الوكالة.
وتعقيباً على الاتفاقية، يقول شويدح إنها تتضمن شروطاً خطيرة من جانب الولايات المتحدة لعودة دعمها للأونروا، تتضمن التزام متلقي خدمة الأونروا بالحيادية، مفسراً أن متلقي الخدمة (أي اللاجئ الفلسطيني) يجب ألا يكون منتمياً لفصائل أو قادراً على التعبير عن رأيه في القضايا الوطنية.
ويقول شويدح إن اتحاد الموظفين العرب يرى أن خدمة الوكالة تُقدّم للفلسطيني على أساس اللجوء فقط وليس على أساس الحيادية أو حتّى الفقر، وأردف أن تقديم الخدمة على أساس الحيادية يعني أن الأونروا ستقوم بعمل استخباراتي وبحث ميداني.
الأونروا ترد
من جهته ينفى المتحدث باسم الأونروا في غزة عدنان أبو حسنة وجود معايير خاصة لمبدأ الحيادية لدى المنظمة، قائلاُ “إنها معايير وقيم الأمم المتحدة، والأونروا جزء من المنظومة الأممية، وهي ملتزمة بالحيادية وقيم العدالة الإنسانية والقانون الإنساني الدولي وعدم زرع الكراهية”.
وأضاف أن الأونروا تطلع على المواد الإثرائية التي يتم تقديمها، وتفحص ما إذا كانت تحتوي على مواد تتعارض مع قيم الأمم المتحدة والقوانين الدولية.
ورفض أبو حسنة أي اتهامات تتعلق بتدخل الوكالة في المنهاج الفلسطيني، مؤكداً على التزامها بمنهاج السلطة الوطنية كدولة مضيفة، وأشار إلى تعرّض الأونروا لاتهامات مختلفة سواء إسرائيلية أو من الكونغرس الأميركي بأنها تشجّع العنف والإرهاب.
وقال أبو حسنة إن للوكالة دوراً كبيراً في الحفاظ على الذاكرة الجمعية للاجئين، واستمرارها في تقديم الخدمات وإبقاء القضية حيّة حتى إيجاد حل عادل للاجئين.
يذكر أن وكالة الأونروا نشأت عام 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتنفيذ برامج إغاثة وتشغيل لنحو 800 ألف لاجئ فلسطيني، هجرتهم العصابات الصهيونية إبان نكبة فلسطين عام 1948.