
الكنيست.. ملفات ساخنة قد تفجّر “ائتلاف نتنياهو”
تتنظر دورة الكنيست الإسرائيلي الشتوية، ملفات ساخنة وشائكة، تحمل مزيجاً قابلاً للانفجار، في ظل تراكم الألغام السياسية والأيديولوجية، ربما تفضي لانتخابات برلمانية مبكرة.
وافتتحت دورة الكنيست الاثنين الماضي، وسط توترات سياسية تسبق الانتخابات المقرر عقدها في أكتوبر/ تشرين الأول 2026، على وقع سلسلة مشاريع قوانين مدرجة على قائمتها.
وتزامن ذلك مع استطلاع للرأي أجرته القناة 12 الإسرائيلية آظهر أن 52% من الإسرائيليين يعارضون ترشح نتنياهو في الانتخابات المقبلة، مقابل 41% أعربوا عن دعمهم له.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الأسبوع الماضي أنه سيترشح مجددًا لرئاسة الوزراء في الانتخابات المقبلة المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2026.
توترات وردود
الجلسة الأولى شهدت توترات عالية؛ هاجم فيها نواب الائتلاف الحكومي المحكمة العليا والقضاء، ما استوجب رد المعارضة ورئيسها يائير لابيد، الذي اعتبر أن “إسرائيل” في خضم أخطر أزمة سياسية في تاريخها، بسبب فقدان الحكومة الحالية السيطرة على الأوضاع.
وتهيمن على جدول الأعمال وطاولة اللجنة الوزارية للتشريع كهيئة مسؤولة عن الترويج للقوانين الجديدة، ملفات حيوية؛ أبرزها فرض السيادة على الضفة الغربية، وعقوبة الإعدام للأسرى الفلسطينيين منفذي العمليات، وتجنيد “الحريديم” والحد من صلاحيات النائب العام والانتخابات.
ويرى مختصون في الشأن الإسرائيلي أن الملفات المطروحة على طاولة الكنيست، ستنعكس على قدرة الائتلاف الحكومي البقاء متماسكًا، وتعجل بالدعوة لانتخابات مبكرة وتظهر تأثير مطالب الحريديم في بقاء الحكومة من عدمها.
ساحة اشتباك مفتوحة
ويصنف الباحث في الشأن الإسرائيلي أمين الحاج، الدورة الشتوية، بأنها ليست مجرد موسم تشريعي، بل غالبا ستكون أشبه بساحة اشتباك مفتوحة على كل الأصعدة والاتجاهات، لأن ملفاتها المعروضة عليها كمشاريع الضم أو إعدام الأسرى الفلسطينيين أو التجنيد الإجباري للحريديم، وصولًا إلى تقليص صلاحيات النائب العام.
وبرأي الحاج تمثل تلك القضايا مجتمعة “مزيجًا قابلًا للانفجار”، وتمس جوهر التوازن السياسي والاجتماعي داخل دولة الاحتلال، وتضع الائتلاف اليميني الحاكم على حافة التفكك.
وبحسب الحاج لا تقتصر طروحات قادة اليمين على مجرد منافسة على النفوذ، بل هو صراع على هوية “إسرائيل” ومستقبلها، تقفز معها التساؤلات، وإمكانية تحولها إلى “كيان استيطاني ديني منغلق”، أو البقاء في إطار دولة يهودية علمانية ذات طابع مؤسسي.
ولا يرى الحاج أن الصراع يهدد فقط وحدة الائتلاف، بل يهز أيضا ثقة الشارع بالنظام السياسي كله، وهو الذي يعيش منذ عامين حالة من الإنهاك بفعل حرب الإبادة على غزة، والأزمات الاقتصادية والانقسام العميق، بين شارع علماني غاضب من جهة، وجمهور يميني متعصب يرى في الحرب على غزة فرصة لتصفية الحسابات الداخلية، من جهة أخرى.
التجنيد هو ملف الأخطر
ويعتقد الحاج أن قانون التجنيد هو الأخطر من بينها، وربما يكون القشة التي ستقسم ظهر الائتلاف وتطيح به، فإذا فشل نتنياهو في تمريره، فالأحزاب الدينية ستنسحب، وإذا مرره بالقوة فسيخسر دعم الشارع المتدين، وفي الحالتين، سيفقد توازنه السياسي داخل الكنيست.
وبشأن مشروع بن غفير حول عقوبة الإعدام، يرى الحاج أن ذلك يكشف مدى تغلغل الخطاب الفاشي داخل الحكومة، ويفتح الباب مجددا أمام عزلة دولية متزايدة، بينما محاولة تفكيك مكتب النائب العام وإضعاف القضاء ليست سوى عودة مقنعة لـما سمي سابقا بـ “الانقلاب القضائي”ـ الذي أشعل الشارع حينها، وأي خطوة بهذا الاتجاه ستعيد مشاهد الاحتجاجات إلى “تل أبيب” وحيفا والتي هزت الحكومة حينها.
وتأتي التشريعات، وفق الحاج، في وقت تعاني فيه المؤسسة الأمنية من أزمة ثقة داخلية وتوتر غير مسبوق مع القيادة السياسية، ما يفاقم هشاشة الدولة العميقة نفسها، ويزيد المشهد تعقيدا أن نتنياهو لا يدير فقط أزمة سياسية، بل معركة بقاء شخصي، ما يجعله يناور بين الحريديم واليمين المتطرف، بحثا عن مزيد من الوقت والهروب من الاستحقاقات القضائية.
ويعتقد أن تمرير أي من هذه القوانين، سيعمق عزلة الاحتلال الدولية ويضعه في مواجهة مفتوحة مع دول غربية، وهو ما يدركه نتنياهو جيدا لكنه يعجز عن كبح شركائه المتطرفين.
ويخلص الحاج بالقول: نحن أمام دورة برلمانية مشتعلة قد تتحول إلى بداية النهاية لهذا الائتلاف، فالحكومة التي تقوم على توازن هش بين اليمين الديني والقومي لا تملك ترف المناورة طويلا، وكل مشروع قانون مطروح اليوم يمكن أن يكون الشرارة التي تفقد نتنياهو السيطرة على المشهد، وتدفع باتجاه انتخابات مبكرة، وبالتالي يصبح الاحتمال الواقعي هو انفجار داخلي تدريجي خلال الربع الأول من 2026.
انتخابات مبكرة
ويعتبر المختص في الشؤون الإسرائيلية إسماعيل مسلماني، أن الدورة الشتوية هي الأهم وربما الأخيرة قبل الانتخابات العامة المتوقعة منتصف 2026، ولكن وفق مجمل المعطيات السياسية والإعلامية، هناك احتمال قوي أن تتحول إلى دورة تفجيرية تُفضي لانتخابات مبكرة.
والسبب برأي مسلماني أن ما سيتم نقاشه، ليس ملفًا واحدًا بل تراكم ألغام سياسية وأيديولوجية داخل الائتلاف الحكومي نفسه.
ويبين المسلماني ان أبرز الملفات الساخنة على الدورة الشتوية، هو قانون الضم، الذي دفع أحزاب اليمين الديني نحو شرعنة بؤر استيطانية وضم مناطق من الضفة الغربية، وهو ما سيضع نتنياهو أمام اختبار خطير، كون تنفيذ الوعود اليمينية قد يصعّد التوتر الدولي والأمني، والتراجع عنها يعني خسارة دعم “الصهيونية الدينية” وسموتريتش وبن غفير، كملف قادر على تفجير الحكومة.
وحول قانون إعدام منفذي العمليات الذي يتبناه بن غفير وقطاعات يمينية متطرفة، يقول المسلماني إن المؤسسة الأمنية والجيش يعارضانه خشية تداعيات ميدانية، ويكشف التناقض بين الأيديولوجيا الأمنية والعسكرية، متوقعا حدوث انقسام علني داخل الائتلاف الحكومي.
ويعتقد المسلماني أن مشروع التجنيد الإجباري للحريديم هو اللغم الأكبر، حيث تطالب المحكمة العليا بالمساواة مع غيرهم، بينما ترفضه الأحزاب الحريدية رفضاً تاما، في الوقت الذي يتجنب فيه نتنياهو عرض الموازنة تجنباً لسقوط حكومته، وفي حال فشل في تمرير تسوية ما، فانسحاب الحريديم شبه مؤكد يتلوه تفكك الائتلاف.
وحول تقييد صلاحيات المستشارة القانونية للحكومة والنائب العام، فإنه يحيي النقاش القديم حول إصلاح القضاء بحسب المسلماني، الذي يتوقع إشعال الشارع الإسرائيلي مجدداً، واستغلال المعارضة له باتهام نتنياهو بمحاولة الهروب من المحاكمة.
ويوضح المسلماني أن نتنياهو سيحاول توظيف الفترة الزمنية والسعي لتأجيل القوانين الخلافية إلى ما بعد إقرار الموازنة، أو حتى مطلع العام القادم، إلا أنه يواجه ضغطاً من شركائه لتمريرها الآن والخيار الثاني بتعديل الائتلاف بضم شخصيات من المعارضة وهو خيار ضعيف.
وفي حال شعر نتنياهو بأن سقوط الحكومة حتمي، يرى المسلماني أنه سيفضل حل الكنيسيت بمبادرته لتحويل المعركة إلى انتخابات تحت شعار منع فوضى اليسار وإنقاذ الأمن.
وبناء على موازين القوى الإسرائيلية والتحليلات، فإن احتمال تفكك الائتلاف خلال الدورة الشتوية يصبح احتمالًا مرجّحًا، وسيكون الملف الرئيسي فيه هو تجنيد الحريديم.
المصدر: وكالة سند
