الأخبار

الطفلة سارة.. عندما تتحدث الضحية عن قسوة جلادها

“إنّ أكثر ما يؤلم الضحية ليس قسوة الجلّاد بل صمت المتفرجين”، هكذا يقول إيلي ويزل في رواية الليل، تعبيرًا عن شعور ضحية لم تجد من يتحدّث عنها، فما أصعب أن تكون حلقةً ضعيفةً في موقفٍ يتطلب الكثير لتأخذ حقك، ولا تجد من يتحدث عنك.

انطلاقًا من هذا المبدأ، وتجنبًا بأن يلحق بابنته خيبة أو أذى، نشر والد الطفلة سارة أحمد كلبونة عن حادثة تحرش صادفت ابنته، في طريق عودتها من المدرسة، غير آبهٍ بهجوم مجتمعي متعلق بسمعة العائلة.

تفاصيل ما حدث..

يقول أحمد كلبونة في حديثٍ خاص لـ “تلفزيون المدينة“: “ما حدث مع ابنتي تطلّب مني الوقوف إلى جانبها كأبٍ داعمٍ، وحريص على حياة طفلتي وكل الأطفال، فبعد عودة ابنتي من مدرستها، حادثتني عبر الهاتف بصوتٍ مرتجفٍ باكٍ، تقول إن شخصًا أوقفها وصديقتها بعد أن خرجتا من المدرسة، متحججًا برغبته بمعرفة  مواعيد الحصص، ليتمادى ويبدأ بالتلفظ بعباراتٍ بذيئة، والقيام بحركات جنسية، من داخل سيارته في الشارع، فسلكتا طريقًا آخر، وعادت إلى المنزل فزعةً مما حصل.

كيف تصرف والد الطفلة؟

صوتها المرتبك، وبكاؤها البريء أحضرا والدها إلى البيت على الفور، بعدها قام بصحبها إلى ذات المنطقة في محاولة إيجاد المتحرش والتعرف إليه، لكن دون جدوى.

ويضيف كلبونة لـ “تلفزيون المدينة” أنه دخل إلى المدرسة في ذلك الوقت، ووجد مجموعة من المراهقين يقفون في طرقاتها، ويعاكسون الفتيات ضاحكين في ريبة للمارة، ويشير إلى أنه طالب المديرة بالتحرك ولو قولًا، واستدعاء الشرطة ليصرفوا المواهقين، لكن المديرة رفضت التدخل، مدعيةً أن لا شأن لها بأيّ مما يجري خارج أسوار المدرسة.

لم يكتفي كلبونة بهذا القدر، فبعد خروجه من المدرسة، توجّه إلى مركز الشرطة فورًا وتقدم ببلاغ رسميّ ضد المتحرش، لافتًا إلى أن الشرطة والأجهزة الأمنية تعاطت سريعًا مع البلاغ، وقبضت عليه بعد مراجعة الكاميرات لمعرفة هويته.

ويتساءل كيف يجرؤ جبانٌ على محاولة الإساءة لعالم تزينّه وردية الفراشات والبراءة ؟ كيف يقرر بقبح أن يتجاوز الإنسانية إلى ما دونها ويبثّ سمومه في طفلٍ لا يفقه من قبحه شيئًا؟

ودفاعًا عن طفولتها وضحكتها كتب وتحرك، وبين مؤيدٍ ومعارض لموقفه من النشر يعلّق كلبونة أنه يتحدث عن ضحيةٍ سبقتها عشرات الضحايا، وأن يقينه ازداد بصحة خطوته بعد أن تواصل معه العشرات ممن عايشوا موقفًا مشابهًا، مشيرًا إلى ضرورة النشر والحديث، وألّا نظل في مساحة التكتم والخوف. 

أما موقف طفلته مما فعله والدها، فيقول إنها تعبر عن فرحتها لوجود والدها معها وإلى جانبها، إذ تراه ملاذًا آمنا لها، مؤكدًا على استمراره في مراقبة سلوكها للاطمئنان عليها، وضمان سلامتها النفسية.

و يشدد كلبونه على أهمية وجود علاقةٍ شفافة يسودها التقبل والاحترام والثقة بين الأهل وأطفالهم، إذ أن هذا ما يدفعهم للحديث حول ما يمرّون به، وما يصادفهم في العالم الخارجي، ويشعرهم بأن هناك مكانًا آمنًا يمكنهم اللجوء إليه متى احتاجوا إليه.

التأثير النفسي للتحرش 

وتلفت استشاري الطب النفسي أمل عطوة إلى التأثير النفسي للتحرش على تقييم الطفل لنفسه واحترامه لذاته، علاوة على تأثيرها العميق فى قدرته على إقامة علاقة سليمة وصحية مع الجنس الآخر، وعلى ثقته بمن حوله.

وتضيف عطوة أن مرض “اضطراب التعامل الجنسى مع الأطفال” واحد من أهم الأمراض التى تتسبب فى وقوع حوادث التحرش الجنسي، لأنه يبحث دومًا عن إشباع رغبته فى الأطفال الصغار، مثل الشذوذ الجنسي تمامًا.

وتتوقع أن المتحرش بالطفل غالبًا ما يكون لديه دافعٌ آخر، وهو تعرضه لعملية تحرش فى الصغر، الأمر الذى يجعله يسلك سلوكًا تعويضيًا بدافع الانتقام، ويكون الطفل البرىء هو الضحية.

أما التربوي أحمد دويكات فيرى أن التواصل اليومي هو أساس العلاقة الناجحة بين الأهالي وأبنائهم، وهو ما يدفعهم للتعبير عما يحدث معهم.

وينصح دويكات الأهالي بوصل خيوط الأحداث المحيطة بالحوار اليومي، فذلك من شأنه أن يرفع الوعي عند الأبناء ويرقى بطبيعة العلاقة الأبوية.

أبطالُ هذا العالم أفراد قرروا الخروج عن صمتهم، والحديث عما يدور حولهم، يحاولون جهدهم أن يحيلوا قبح العالم جمالًا، وأن ينتزعوا الحق من أفواه الجلادين.. أن لطف هذا العالم وقوته مرهون ببطولتهم.

كتبت: سمية النجار

تحرير: هالة حسون

زر الذهاب إلى الأعلى
تلفزيون المدينة

مجانى
عرض