على شارع صلاح الدين، الطريق الرئيس في قطاع غزة، عند مدخل مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، وقفت امرأة وأبناؤها ينتظرون أي وسيلة نقل، تنقلها وأطفالها إلى بيتها بمدينة غزة.
وقالت أم الأطفال الستة، إنها هربت من شمال وادي غزة، ولجأت إلى بيت أختها في مخيم النصيرات، تجنبا للموت وبحثا عن الأمن لكن لا فرق بين الشمال والجنوب، فالموت في كل مكان.
“لقد خدعنا الاحتلال عندما طلب عبر وسائل الإعلام الانتقال من شمال وادي غزة إلى جنوبه، لأنه أكثر أمنا، لكن وجدنا قصفا عنيفا في الجنوب أيضا”، قالت الأم، تمارة نصر الله.
وتعرض مخيم النصيرات والمناطق المجاورة لغارات جوية شرسة، منها تعرُّض منطقة السوق المكتظ بالمشترين للقصف قبل أيام، ما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات.
عائلات وأفراد يمشون على طول “صلاح الدين” الذي يصل بين الشمال والجنوب، بعضهم بدراجات هوائية، وأوقف رجل عربة يجرها حصان وركبها هو وأولاده وأمتعته متجها إلى الشطر الشمالي.
وقال رب الأسرة عبد الله سرور، إنه غادر منزل أنسابه في النصيرات بعد أن لجأ إليه، وسيعود بعربة يجرها حصان إلى بيته في مدينة غزة.
“سأعود حتى لو مشيا.. الموت في كل زاوية شمالا وجنوبا”، قال سرور.
سيارة تحمل بداخلها أفراد عائلة وعلى سقفها فرشات إسفنجية وبرميل ماء فارغ، تنطلق من الجنوب إلى الشمال، خفف السائق السرعة وقال، “راجعين إلى الشمال، كله زي بعضه، وانطلق مسرعا نحو الشمال.
لكن هناك أيضا عائلات من شمال غزة تأتي تباعا، بشكل متقطع، بحثا عن مكان في الجنوب. ومرت بضع سيارات تحمل عائلات وأمتعة، متجهة جنوبا.
واستُشهد عدد من العائلات التي هربت من شمال القطاع إلى جنوبه، وليس آخرها عائلة اغريّب.
وكانت أريج رزق اغريب (29 عاما) قد هربت مع زوجها وأطفالها الأربعة وثلاثة أطفال من أبناء أخيها من مخيم جباليا شمالا إلى دير البلح جنوبا، لكنهم استُشهدوا جميعا، عدا الوالد، في قصف جوي للمنزل الذي يؤويهم، فجر أمس الأول الأحد.
وبلغ عدد الشهداء في محافظة وسط قطاع غزة وحدها يوم أمس 150 مواطنا على الأقل كلهم أفراد عائلات، وفقا لمصادر في مستشفى شهداء الأقصى.
وبلغ عدد العائلات التي سحقتها الغارات الجوية بقطاع غزة زهاء 550 عائلة على الأقل من مجموع عدد الشهداء الذي تجاوز الـ5000 شهيد وأكثر من 14 ألف جريح وفق مصادر طبية.
وكانت قوات الاحتلال قد نشرت في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تهديدا لأكثر من مليون مواطن شمال غزة، طلبت منهم فيها التوجه إلى الملاجئ والشق الجنوبي من القطاع.
لكن لا ملاجئ في غزة فيما استمر القصف على جنوبه أيضا، ما أدى إلى سقوط آلاف الشهداء والجرحى.
في مخيم جباليا، شمال القطاع، عاد المواطن زياد عبد الرحمن وعائلته بعد أن أمضى عدة أيام في محافظة خان يونس جنوب القطاع.
وقال عبد الرحمن، إنه هرب إلى خان يونس ومكث أسبوعا، ثم عاد إلى بيته بعد أن تبين له أن لا فرق.
“نموت في دارنا أشرف، فالقصف في الشمال والجنوب واحد”، قال عبد الرحمن، والد الأطفال الستة.
وأشار إلى أن أزمة المياه في الجنوب أيضا هي الأزمة نفسها في الشمال. مضيفا أن المكوث مع عائلات أخرى أيضا صعب.
“كنا 7 عائلات في بيت يتسع لعائلتين، وهذا يفاقم أزمة الماء والطعام وغير ذلك”.
واضطرت عشرات آلاف العائلات إلى النزوح باتجاه جنوب القطاع، بعد تحذيرات وجهها جيش الاحتلال لإخلاء منازلهم في مدينة غزة وشمالها.
وقدرت مصادر في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” عدد النازحين بمليون شخص منذ بدء العدوان، منهم أكثر من 400 ألف يقيمون في منشآتها.
غرب مدينة دير البلح، يلجأ آلاف المواطنين إلى مدرستين تتبعان لوكالة الغوث “الأونروا”، لا يزال يصل إلى المدرستين بعض العائلات التي تبحث عن مأوى.
وقال جابر عبد العاطي، إنه قادم من أطراف حي الزيتون بمدينة غزة الذي تعرض لعشرات الغارات خلال اليومين الماضيين.
يحمل عبد العاطي أشياءه من أغطية وبعض الملابس ووقف حائرا وقال: “إذا كان الوضع هكذا فسأعود إلى بيتي”.
وتتواصل الغارات الجوية والقصف المدفعي والبحري على مختلف أنحاء القطاع منذ السابع من أكتوبر الجاري، مستهدفة منازل مأهولة والبنية التحتية في القطاع.
المصدر: وفا