Site icon تلفزيون المدينة

أنهار الديك تسترجع 18 عامًا من مذكرة الأسيرة المحررة ميرفت طه

قبل 18 عاماً، عاشت الأسيرة المقدسية المحررة ميرفت طه الرعب والقلق اللذين عاشتهما الأسيرة المحررة أنهار الديك خلف القضبان مؤخراً، وسط خشيتها من وضع مولودها داخل السجن الذي كانت تقبع به منذ 6 أشهر بعد أن وجه الاحتلال لها اتهامات بمحاولة تنفيذ عملية طعن.

بابتسامة تخفي خلفها حكاية ألم طويلة، وفي لحظة بدا فيها كم هو صعب أن تنبش تفاصيل تجربة الولادة داخل السجن، وهي التي طالما حاولت كتمانها ودفنها رافضة الحديث لوسائل الإعلام عنها رغم مرور حوالي عقدين على هذه المأساة كما تصفها.

ولدت المقدسية ميرفت طه عام 1983 وترعرعت في البلدة القديمة بالقدس، ثم تزوجت في عمر الـ 17 وانتقلت للعيش مع زوجها في بلدة العيساوية عام 2002، وبعد مرور 4 أشهر على زواجها داهمت القوات الخاصة منزلها واعتقلتها، وهي تجهل تماماً ما يدور حولها.

وجدت هذه الفتاة نفسها أمام تهمة “المساعدة في إيصال شاب لتنفيذ عملية ضد الاحتلال”، وقالت لـ”الجزيرة نت” إنها لم تكن تعلم شيئا عن السجون ولا علاقة لها بالتهم الموجهة إليها، واضطرت للاعتراف بها تحت التهديد الذي استمر 12 يوما خلال التحقيق معها في مركز تحقيق الجلمة.

جَنين وجولات تحقيق

بينما تحاول استرجاع تلك التفاصيل المؤلمة قالت طه “خلال فترة التحقيق كنتُ أصاب بالدوار وقلت للسجانين إنني ربما أكون حاملاً، فأجابوني بأنهم لن يجروا لي فحص الكشف عن الحمل إلا بعد انتهاء فترة التحقيق.. وبالفعل أجروه لاحقاً وتبين أنني حامل ودخلتُ في دوامة خوف عميقة”.

كبر الجنين في رحم أمه التي تنقلت بين السجون والمحاكم على مدار 9 أشهر وفور دخولها الشهر الأخير من الحمل تم عقد جلسة النطق بالحكم عليها وحُكمت بالسجن الفعلي لمدة 20 شهرًا، ثم استأنفت النيابة العامة ورفعت الحكم إلى 4 أعوام، وتذكر ميرفت أنها انهارت في المحكمة بمجرد سماع الحكم.

عادت أدراجها إلى الزنزانة في رحلة تنقلها بين السجن والمحاكم عبر عربة السجن، التي تستغرق أحياناً 14 ساعة، يمنع خلالها الأسرى من قضاء حاجتهم وتُقدم لهم وجبة طعام واحدة.

“كنتُ مكبلة الأيدي والأرجل في كل الرحلات دون مراعاة لوضعي الخاص كحامل، والرعاية الطبية معدومة إذ كنتُ أعرض على الطبيب مرة واحدة كل شهرين ودون تقديم أي مساعدة، طلبت من السجّانين مراراً أن تكون أمي بجانبي خلال الولادة لكنهم رفضوا”.

مخاضٌ عسير

أنهت ميرفت الشهر التاسع من الحمل وتحملت آلام المخاض على سريرها المهترئ في الزنزانة لمدة 6 ساعات، ثم أخبرت السجّانة صباحاً أنها أوشكت على الولادة فنُقلت بعد ساعتين إلى مستشفى سجن الرملة وهناك استمر المخاض 12 ساعة قضتها مكبلة اليدين والرجلين بسرير الولادة.

“لا يمكنني وصف ما عشته في تلك الساعات ولن أنسى الألم الجسدي والنفسي بعيداً عن حضن أمي.. بعد الولادة بيومين أعادوني للسجن مكبلة، ولحقني طفلي (وائل) بعد يومين وبدأ حياته مسلوب الحرية”.

كانت الحفاضات الخاصة بطفلها تُقدم رطبة تملؤها رائحة العفونة، وكان يرقد بجوارها على فرشة مهترئة لا تصلح للاستخدام الآدمي، وبقي لشهور يعتمد على الرضاعة الطبيعية قبل أن تهرس له والدته الطعام الذي تطهوه الأسيرات ليأكل منه.

عن تفاصيل تلك الأشهر قالت “عانيتُ شهراً كاملاً بعد الولادة من الأوجاع وتعافيتُ دون تقديم أي نوع من العلاج لي، خطا وائل أولى خطواته في السجن وأول الكلمات التي نطق بها كانت (عدد وسجّانة) كان هاجسي الأكبر أن تقرر إدارة السجن إبعاده عني وإخراجه من السجن، لكن المحامي طلب عقد جلسة استرحام وخفضوا حكمي 3 أعوام وتحررنا سوياً”.

كبر وائل وأنجبت أمه شقيقته ابتسام ثم انفصلت عن زوجها وعادت لتعيش مع ذويها في البلدة القديمة في القدس، ولم ينعم هذا الطفل بالحرية لسنوات طويلة إذ اعتُقل مرتين حتى الآن وخضع لعقوبة الحبس المنزلي مراراً.

كثير من الصمت والتردد تخلل حديث هذه الشابة المقدسية التي تجزم أن لا تجربة في الحياة أقسى من تجربة الولادة داخل السجن.

والدتها مريم طه قالت لـ”الجزيرة نت” “ليتني متُّ قبل تعرضي وابنتي لتلك التجربة، وأنا أشعر تماماً بما شعرت به والدة أنهار الديك خلال الأشهر الأخيرة”.

يذكر أن ميرفت واحدة من بين عشرة أسيرات اختبرن تجربة الإنجاب داخل السجن منذ 1967، مكبلات وفي ظروف تفتقر لأدنى المقومات الطبيعية، ورغم مستقبل أنهار الديك المجهول فتبقى واحدةً ممن نجون بمعجزة إلهية من اختبار ألم بهذا الثقل.

Exit mobile version